للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أين نشأ القول بأن الأوراق النقدية أجناس ربوية:

الذي نراه أنه عندما كانت النقود الورقية مرتبطة بالذهب ارتباطا صحيحا، وكان التعهد قائما بصرف قيمتها لحاملها طبقا لما هو مكتوب فيها، قياما حقيقيا، وكانت تباع وتشترى طبقا لما فيها (أي: جنيه واحد ورقى بجنيه واحد ذهبي) فإن حكمها الشرعي في تلك الحال هو أن تعامل معاملة الذهب، ويجرى بينه وبينها الربا، ولا إشكال في ذلك. وعلى هذا درج التعامل أول ما صدرت النقود الورقية، واعتبرت بمثابة الذهب من كل وجه، فكان الإفتاء بذلك إفتاءً صحيحًا، والحكم بذلك العصر واقعا في محله.

ولكن الذي طرأ أن انفك الارتباط بين الورق وبين الذهب منذ أوائل الحرب العظمى الثانية أو قبل ذلك، وقد سار ذلك الانفكاك تدريجيا، وعلى مراحل كما بينته سابقا، إلى أن أصبح الانفكاك تاما ومعترفا به رسميا من جميع دول العالم، فصار الورق عملات مستقلة استقلالا كاملا عن الذهب وليس لها به أي ارتباط. ومع هذا الانفكاك الذي بيَّنْتُه استمر عامة المسلمين الملتزمين واستمر غالب الفقهاء، واستمرت المجامع الفقهية، على الطريقة السابقة من اعتبار الورق ربويًّا قياسًا على الذهب، على ما في ذلك من الخطورة العظيمة على اقتصاديات المسلمين كما سنبينه.

إن الأوضاع التي جدت على الورق النقدي في السنين الأخيرة تستدعي من علماء العصر وقفة مستبصرة حاسمة، لإعادة النظر في ذلك القياس الذي جرى عليه غالب الناس. فإن ذلك القياس منشؤه في نظري ذلك الارتباط الذي كان أولا، والذي بسببه قام الورق النقدي مقام الذهب فعلا، وكفل له ذلك الثبات، الذي هو شأن الأثمان الحقيقة. فلما تبدل الحال، وانفك الارتباط، كان على علماء الملة أن يعيدوا النظر في ذلك القياس منذ أمد. وها أنتم تجتمعون لتنظروا في ذلك، نسأل الله لكم السداد في النظر والقول والعمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>