للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الشريعة الإسلامية إذ نصت على تحريم الربا فإنما كان الهدف منع الظلم، وهو أكل المقرض مال المقترض بغير حق، قال الله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (سورة البقرة: الآية ٢٧٩) .

ولم يكن الهدف إطعام مال المقرض للمقترض، فإن ذلك ظلم آخر، تتنزه عنه الشريعة كما تنزهت عن الظلم الأول. وستكون النتيجة: إما امتناع المسلمين عن الإقراض بالكلية، وإما الرضا بالخسائر المحققة، وإما التجاسر على أخذ الفوائد مع اعتقاد أنها محرمة، وإما الالتفاف على الأحكام الشرعية والتحايل عليها، وما أكثر حيل المرابين.

وفي الشركة أيضًا، وخاصة شركات المضاربة، يضر نقص القوة الشرائية بصاحب رأس المال، لأنه في الحقيقة لا يسترجع إلا جزءا من حقه عندما يسترجع رأس ماله من الأوراق النقدية بالعدد، وبهذه الطريقة حصل المضاربون على أجزاء كبيرة من أموال أصحاب رأس المال.

وفي الإجارة إذ جمدت كثير من الحكومات أجور العقارات، كانت نتيجة انهيار العملات أن أصبحت الأجور بعد المدة الطويلة أجورا لا قيمة لها، حتى إن الدار الكبيرة التي أُجِّرَ مثلها الآن ألف جنيه مثلا في العام لا يأخذ مالكها من مستأجرها إلا خمسين جنيها كما كان الحال عند مبتدأ عقد الإجارة قبل ثلاثين عاما. وبذلك أُطْعِم حق مالك الدار للمستأجر (فعاد المستأجر مالكا والمالك خارجا) . وكان لذلك أثره الكبير على تعطيل الحركة العمرانية والآفات الاقتصادية اللاحقة في بلدان كثيرة من العالم الإسلامي بسبب هذا الظلم الفادح، وتخوف المستثمرين من انهيار قوة العملات الورقية، وبالتالي انهيار الأجور المجمدة وما يتبع ذلك من الخسائر.

ولو أن أصحاب العقارات التي جمدت أجورها التي كان قد جرى التعاقد عليها أتيح لهم أن يحصلوا على ما يوازيها من حيث القوة الشرائية ـ على ما سيأتي بيانه ـ لكان في ذلك العدل والإنصاف ولما أدى الأمر إلى الأزمات التي نشاهدها في كثير من البلدان الإسلامية.

إن إلزام المسلمين أفرادا وجماعات وشعوبا بالامتناع عن الحصول على مقابل نقدي لنقص قيمة أموالهم تبعا لنقص القوة الشرائية للعملات النقدية لهو خسارة عظيمة تحيق بأموال المسلمين، وليس له مستند إلا التمسك بهذا القياس المهترئ للورق النقدي على الذهب والفضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>