للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد هذا أشار ابن عابدين إلى الأخذ بالفتوى عند الاختلاف في الكساد والانقطاع فقال: (وفي الذخيرة الفتوى: على قول أبي يوسف، وفي التتمة والمختار والحقائق: يقول محمد يفتي رفقا بالناس ... إلخ) (انظر ص ٦٤) ثم ذكر تنبيها يتعلق بالشراء بنوع مطلق من الأثمان غير مسمى. ثم ختم رسالته بما يلي:

(ثم اعلم أنه تعدد في زماننا ورود الأمر السلطاني بتغيير سعر بعض من النقود الرائجة بالنقص، واختلف الإفتاء فيه، والذي استقر عليه الحال الآن دفع النوع الذي وقع عليه العقد لو كان معينا، كما إذا اشترى سلعة بمائة ريال إفرنجي أو مائة ذهب عتيق، أو دفع أي نوع كان بالقيمة التي كانت وقت العقد إذا لم يعين المتبايعان نوعا والخيار فيه للدافع كما كان الخيار له وقت العقد، ولكن الأول ظاهر سواء كان بيعا أو قرضا بناء على ما قدمناه وأما الثاني فقد حصل بسببه ضرر ظاهر للبائعين فإن ما ورد الأمر برخصه متفاوت: فبعض الأنواع جعله أرخص من بعض فيختار المشتري ما هو أكثر رخصا وأضر للبائع فيدفعه له، بل تارة يدفع له ما هو أقل رخصا على حساب ما هو اكثر رخصا فقد ينقص نوع من النقود قرشا ونوع آخر قرشين فلا يدفع إلا ما نقص قرشين وإذا دفع ما نقص قرشا للبائع يحسب عليه قرشا آخر نظرا إلى نقص النوع الآخر وهذا مما لا شك في عدم جوازه وقد كنت تكلمت مع شيخي الذي هو أعلم أهل زمانه وأفقههم وأورعهم فجزم بعد تخيير المشتري في مثل هذا لما علمت من الضرر وأنه يفتى بالصلح حيث كان المتعاقدان مطلقي التصرف يصح اصطلاحهما بحيث لا يكون الضرر على شخص واحد فإنه وإن كان الخيار للمشتري في دفع ما شاء وقت العقد وإن امتنع البائع لكنه إنما ساغ ذلك لعدم تفاوت الأنواع فإذا امتنع البائع عما أراده المشتري يظهر تعنته أما في هذه الصورة فلا لأنه ظهر أنه يمتنع عن قصد أضراره ولا سيما إذا كان المال مال أيتام أو وقف فعدم النظر له بالكلية (مخالف) لما أمر به من اختيار الأنفع له فالصلح حينئذ أحوط خصوصا والمسألة غير منصوص عليها بخصوصها فإن المنصوص عليه إنما هو الفلوس والدراهم الغالبة الغش كما علمته مما قدمناه فينبغي أن ينظر في تلك النقود التي رخصت ويدفع من أوسطها نقصا لا الأقل ولا الأكثر كيلا يتناهى الضرر على البائع أو على المشتري وقد بلغني أن بعض المفتين في زماننا أفتى بأن تعطى بالسعر الدارج وقت الدفع ولم ينظر إلى ما كان وقت العقد أصلا ولا يخفى أن فيه تخصيص الضرر بالمشتري لا يقال ما ذكرته من أن الأولى للصلح في مثل الحالة مخالف لما قدمته من حاشية أبي السعود من لزوم ما كان وقت العقد بدون تخيير بالإجماع إذا كانت فضة خالصة أو غالبة لأنا نقول ذاك فيما إذا وقع العقد على نوع مخصوص كالريال مثلا وهذا ظاهر كما قدمناه ولا كلام لنا فيه وإنما الشبهة فيما تعارفه الناس من الشراء بالقروش ودفع غيرها بالقيمة فليس هنا شيء معين حتى تلزمه به سواء غلا أو رخص.

<<  <  ج: ص:  >  >>