للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الإمام الرافعي: فإذا أتلف حليا وزنه عشرة، وقيمته عشرون فقد نقل أصحابنا وجهين فيما يلزمه.

أولها: أنه يضمن العين بوزنها من جنسها، والصنعة بقيمتها من غير جنسها سواء كان ذلك نقد البلد، أو لم يكن، لأننا لو ضمنا الكل بالجنس لقابلنا عشرة بعشرين وذلك ربا.

وأصحهما عندهم: أنه يضمن الجميع بنقد البلد، وإن كان من جنسه (١) .

ونجد أمثلة كثيرة في كل المذاهب الفقهية في باب ضمان المتلفات – كما سبق، ونجد كذلك في باب العقود عند مالك حيث أجاز أن يعطي الإنسان مثقالا وزيادة في مقابل دينار مضروب، وكذلك أجاز بدل الدينار الناقص بالوازن، أو بالدينارين، وروي مثل ذلك عن معاوية – رضي الله عنه – يقول ابن رشد: (وأجمع الجمهور على أن مسكوكه، وتبره ومصوغه سواء في منع بيع بعضه ببعض متفاضلا لعموم الأحاديث المتقدمة في ذلك إلا معاوية فإنه كان يجيز التفاضل بين التبر، والمصوغ، لإمكان زيادة الصياغة، وإلا ما روي عن مالك أنه سئل عن الرجل يأتي دار الضرب بورقه فيعطيهم أجرة الضرب ويأخذ منهم دنانير ودراهم وزن ورقه، أو دراهمه، فقال: إذا كان ذلك لضرورة خروج الرفقة ونحو ذلك فأرجو أن لا يكون به بأس، وبه قال ابن القاسم من أصحابه ... ) (٢) .

والمقصود بهذا النص أن الزيادة ما دام لها مقابل لا تعتبر ربا، لأن الربا هو: الفضل المستحق لأحد العاقدين في المعاوضة الخالي من عوض شرط فيه (٣) .

رابعا: كل هذا إذا قلنا بمثلية النقود الورقية، أما إذا قلنا: إنها قيمية فلا شك أن الرد يكون فيها بالقيمة – كما سبق – وحينئذ لا يلاحظ العدد، بل القيمة، ولذلك لم يجوز الفقهاء بيع درهم بدرهمين، ولكنهم أجازوا بيع حيوان بحيوانين وأكثر، لأن الحيوان مما يختلف حسب أوصافه قيمة، فقد روى البخاري في صحيحه تعليقا – بصيغة الجزم – أن ابن عمر اشترى راحلة بأربعة أبقرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة، وقال ابن عباس: قد يكون البعير خيرا من بعيرين، واشترى رافع بن خديج بعيرا ببعيرين، فأعطاه أحدهما، وقال: آتيك بالآخر غدا رهوا إن شاء الله وقال ابن المسيب: لا ربا في الحيوان: البعير بالبعيرين، والشاة بالشاتين إلى أجل، وقال ابن سيرين: لا بأس ببعيرين (٤) وروى مالك روايات كثيرة في هذا الباب منها أن علي بن أبي طالب باع جملا له يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل (وعن ابن عمر أنه باع راحلة له بأربعة أبقرة) (٥) وكذلك قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر أن يجهز جيشاً، فقال، ليس عندنا ظهر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((ابتع لي ظهرا إلى خروج المصدق)) وروي نحو عن زيادة بن أبي مريم (٦) قال ابن بطال: وهذا مذهب جمهور الفقهاء (٧) .

وروي ذلك عن مجاهد وحماد وغيرهما (٨) ونحن لا نقصد بهذه النصوص أن يجوز بيع ريال قطري بريالين، فهذا لا يجوز، وإنما لمجرد بيان رعاية القيمة، والسبب في عدم جواز ريال قطري بريالين، وجواز بعير ببعيرين هو أن الريال لا يختلف جودة ورداءة في آن واحد ولذلك ففي حالة البيع النقدي وجدت زيادة بدون مقابل، أما البعير فهو مما يختلف جودة ورداءة ولذلك يتلاشى الفرق مع رعاية هذه الاعتبارات، ولذلك نحن نؤكد على أن النقود الورقية إن كان لها شبه بكثير من الأمور السابقة، لكن لها ميزة خاصة وتكييف خاص، وهو رعاية واقعها وقيمتها الحقيقة، ولذلك عند فقدها لا يظهر فرق، ولكن عندما يوجد فرق شاسع فلابد من رعايته والله أعلم..


(١) فتح العزيز: ١١/٢٧٩ – ٢٨٠.
(٢) بداية المجتهد: ٢/١٩٦.
(٣) فتح القدير: ٧/٨.
(٤) صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب البيوع، باب بيع العبد والحيوان بالحيوان نسيئة: ٤/٤١٩.
(٥) الموطأ، كتاب البيوع: ص٤٠٤.
(٦) المصنف لعبد الرزاق: ٨/٢٢- ٢٣.
(٧) فتح الباري: ٤/٤١٩، وراجع: فتح القدير: ٧/١١.
(٨) مصنف ابن أبي شيبة: ٧/١٢٠ ح ومصنف عبد الرزاق: ٨/٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>