والحقيقة هي أن المتبع في الأمر هو الصدق العرفي لعملية الإتلاف ذلك أن هبوط القيمة تتصور له صور كثيرة.
فقد يكون العامل فيه ما يتعارف في السوق مما تتركه قوانين العرض والطلب إذ عندما تقل سلعة ما ترتفع قيمتها، فإذا عمد مصنع أخر إلى إغراق السوق بمثل تلك السلعة فإن قيمتها ستهبط ولكن العرف لا يعد ذلك العمل إتلافا وإن كان أحيانا يطبق هنا قانون الأضرار الاجتماعي إذا فسرنا الضرر – كما يقول السيد الصدر – بسوء الحال الأمر الذي يحقق مصداقا لقاعدة لا ضرر إلا أنه على أي حال لا يعتبر العملية إتلافا تأتي معه قاعدة الضمان.
وقد يكون العامل فيه صدور بعض القوانين الاجتماعية أو المالية أو الاقتصادية التي تترك أثرها بشكل بعيد وغير مباشر على قيمة السلع والظاهر هنا أيضا أن العرف لا يرى الإتلاف في أغلب هذه الحالات.
ولكن إذا كان هبوط قيمة النقود وبفعل متعمد من الدولة ينزل بقيمة العملة مباشرة إلى النصف مثلا في قبال الذهب أو الدولار أو سلة العملات، أو بإصدار أوراق نقدية فائضة تترك آثارها على قيمة العملة فإن الظاهر أن العرف يرى العملية إتلافا بلا ريب وحينئذ تأتي قاعدة الضمان.
وهنا يأتي بحث حول إمكان تصحيح مثل هذا العمل من قبل الحكومة دون أن تتحمل مسئولية الضمان.
من قبيل ادعاء أن هذا العمل يتم برضى مجموع الشعب باعتباره رضي إجمالا بما تقوم به الحكومة المنتخبة وما تسنه من قوانين هذا مع افتراض صحة هذا المدعى أي مدعى تمثيلها للمجموع. وهذا أمر نقطع بعدم حصوله رغم الادعاء.
أو من قبيل ما لو قلنا بأن ولي الأمر الشرعي يملك الولاية الكاملة على الأموال باعتباره أولى حتى من أصحابها فيها وباعتبارها إنما جعلها الله تعالى قِواما للحياة الاجتماعية فإذا رأى المصلحة الاجتماعية تقضي بالقيام بذلك العمل كان له الحق في ذلك. وربما يجعل المبرر لذلك حكم العقل بتقديم الأهم على المهم بتصوير أن حفظ النظام وسلامته هو من أهم الأمور فإذا تزاحم مع حفظ حق الملكية الفردية كان المقدم في البين هو الأول وولي الأمر الشرعي هو الذي يشخص موضوع التزاحم هذا وما يرفع به ذلك.
وعلى أي حال فإن للموضوع مجالا آخر لا بد من دراسته بكل إمعان.
ونشير هنا إلى أن العامل على هبوط القيمة إن كان مؤسسة مالية لا تمتلك صفة حكومية فإن سير البحث سيتبدل حتما.