للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الإمام فخر الدين الرازي: " اعلم أن الربا قسمان: ربا النسيئة وربا الفضل، أما ربا النسيئة فهو الأمر الذي كان مشهورا متعارفا في الجاهلية، وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرا معينا، ويكون رأس المال باقيا ثم إذا حل الدين طالبوا المدين برأس المال، فإن تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل، فهذا هو الربا الذي كانوا في الجاهلية يتعاملون به ". (١)

ويقول الألوسي: " روى غير واحد أنه كان الرجل يربي إلى أجل، فإذا حل قال للمدين: زدني في المال وأزيدك في الأجل فيفعل، وهكذا عند كل أجل فيستغرق بالشيء الضعيف ماله بالكلية فنهوا عن ذلك ". (٢)

فهذه الروايات صريحة في أن ربا الجاهلية كان يأخذ شكل القرض بزيادة كما يأخذ شكل الزيادة في الدين عند حلول الأجل إذا لم يكن عند المدين ما يفي به، ثم تتكرر الزيادة بتكرر التأخير في الأجل، وعلى هذا فحكم الزيادة في القرض عند العقد الأول – ربا القرض – وحكم الزيادة بعد حلول الأجل – ربا الجاهلية – واحد أو إن شئت فقل: إن ربا القرض من ربا الجاهلية، والنوعان يطلق عليهما ربا الديون، ويطلق عليهما بعض العلماء ربا النسيئة، كما رأينا في عبارة الفخر الرازي.

٧– حكم ربا الديون:

حكم ربا الديون ويشمل كما قلنا ربا الجاهلية وربا القرض، هو الحرمة، وهذا الحكم ثابت بالقرآن والسنة والإجماع.

أما القرآن فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} . (٣)

وعبارة {أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} ليس المراد منها تقييد الربا المنهي عنه بالأضعاف المضاعفة، وإنما المراد منها بيان الواقع. (٤)

وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} . (٥)

قال ابن جرير الطبري: " أن الذين كانوا يأكلون الربا من أهل الجاهلية كان إذا حل مال أحدهم على غريمه يقول الغريم لغريم الحق: زدني في الأجل وأزيدك في مالك، فكان يقال لهما إذا فعلا ذلك: هذا ربا لأجل، فإذا قيل لهما ذلك قالا: سواء علينا زدنا أول البيع، أو عند محل المال، فكذبهم الله في قيلهم فقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} . يعني وأحل الله الأرباح في التجارة والشراء والبيع، وحرم الربا، يعني الزيادة التي يزاد رب المال بسبب زيادته غريمه في الأجل وتأخيره دينه عليه ". (٦) وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . (٧)

قال ابن جرير الطبري: " ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أسلموا ولهم على قوم أموال من ربا كانوا قد قبضوا بعضه منهم ... وبقي بعض فعفا الله جل ثناؤه عما كانوا قد قبضوا قبل نزول الآية، وحرم عليهم اقتضاء ما بقي " (٨)

ثم جاء قوله تعالى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}

(٩)


(١) مفاتيح الغيب ٢/٣٧٠.
(٢) روح المعاني ٤/٤٩.
(٣) سورة آل عمران ١٣٠.
(٤) روح المعاني ٤/٦٩.
(٥) سورة البقرة ٢٧٥.
(٦) تفسير القرطبي ٦/١٢ ر ١٣.
(٧) سورة البقرة ٢٧٨.
(٨) تفسير القرطبي ٦/٢٢.
(٩) سورة البقرة ٢٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>