للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طبيعة الحقوق المعنوية:

اختلف رجال القانون في تكييف الحقوق المعنوية، وتوزعت أقوالهم في ذلك إلى مذاهب متعددة.

فذهب بعضهم إلى أن الحق المعنوي لا يعتبر نوعًا من أنواع الحقوق بالإضافة إلى الحقين الآخرين وهما: الحق العيني، والحق الشخصي، بل هو حق داخل ضمن الحقوق العينية ذلك أن الحق العيني يشمل الشيء ماديًا كان أو معنويًا. ثم اختلفوا حول طبيعة هذا الحق المعنوي، هل هو حق ملكية أم لا؟

وأطلق على هذه الحقوق عدة تسميات: فأطلق عليها اسم "الملكية الأدبية والفنية والصناعية" باعتبار أن حق الشخص على إنتاجه الذهني حق الملكية.

وقد نوقش هذا الرأي من ناحية أن الحقوق المعنوية، يرد الحق فيها على شيء غير مادي. أي لا يدخل في عالم الحسيات، ولا يدرك إلا بالفكر المجرد، فهو حتمًا يختلف عن الشيء المادي الذي يدرك بالحس. ومن جانب آخر فإن "المادة تؤتي ثمارها بالاستحواذ عليها، والاستئثار بها أما الفكر فعلى النقيض من ذلك، يؤتي ثماره بالانتشار لا بالاستئثار. فطبيعة الملكية تتنافى مع طبيعة الفكر من ناحيتين: الأولى: أن الفكر لصيق بالشخصية. والثانية: أن الفكر حياته في انتشاره لا في الاستئثار به، ونخلص من ذلك إلى أن حق المؤلف أو المخترع ليس حق ملكية، بل هو حق عيني أصلي، يستقل عن حق الملكية بمقوماته الخاصة، وترجع هذه المقومات إلى أنه يقع على شيء غير مادي" (١) .

ومن ناحية أخرى: فإن حق الملكية حق مؤبد، في حين أن الحق المعنوي حق مؤقت بطبيعته وذهب آخرون إلى إطلاق عنوان " الحقوق الذهنية " على هذه الحقوق تحاشيًا للملاحظات التي أبديت لمفارقة حق الملكية عن الملكية المعنوية.

وقد ورد هذا بأن "هناك إلى جانب الأشياء المادية التي ترد عليها الملكية العادية أشياء غير مادية للتملك بحيث إن الحقوق التي ترد عليها لا تعدو أن تكون صورًا خاصة للملكية يمكن أن يقال عنها أنها ملكية غير عادية" (٢) .

وذهب آخرون إلى إطلاق عنوان "الحقوق التي ترد على أموال غير مادية". وقد رد هذا: "بأنه لم يعن ببيان الخصائص الأساسية لهذه الحقوق في المجال المالي لإظهار الفارق بينها وبين الحقوق العينية والشخصية، إذ أن تلك الحقوق كما هو الشأن في الأموال المادية، يمكن الانتفاع بها والتصرف فيها بمقتضى عقد" (٣) .

وذهب آخرون إلى إطلاق عبارة"الحقوق المتعلقة بالعملاء"، وذلك نظرًا إلى موضوع هذه الحقوق وهو الأشياء التي من إبداع الذهن أو القيمة التجارية، وأن هذين الأمرين تتحدد قيمتهما جميعًا بحسب ما يجتذب إليها من العملاء.

وقد أخذ على هذا الإطلاق، أنه قد يصدق على الحقوق التي ترد على قيم تجارية، كالاسم التجاري مثلًا، لكنه لا يصدق على حقوق المؤلفين بذات الدرجة، لأنها قد تكون إنتاجًا ذهنيًا مستقلًا كحق المؤلف الأدبي المتميز عن الحق المالي.

ورجح آخرون أن طبيعة الحق المعنوي أنه "صورة خاصة من الملكية" باعتبار أن عناصر الملكية موجودة في هذا النوع من الحقوق، "فلا مفر من التسليم بأننا بصدد حق ملكية، وكل ما هنالك أن الملكية هنا تعتبر صورة خاصة للملكية، حيث إنها ترد على شيء غير مادي. ومقتضى هذا الفارق أن تختص الملكية المعنوية بأحكام تختلف عن أحكام الملكية العادية، ولا يقدح في هذا النظر أن يقال: إن الحق المعنوي في أغلب صوره ليس مؤبدًا، لأن التأييد ليس خاصة جوهرية لحق الملكية" (٤) .


(١) الوسيط، للسنهوري: ٨/٢٧٩.
(٢) حق الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص ٢٩٥.
(٣) حق الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص ٢٩٥.
(٤) حق الملكية، للدكتور عبد المنعم الصده: ص ٢٩٧؛ والوسيط: ٨/٢٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>