للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}

تقديم

الحمد لله، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه ونسأله عز وجل العون والرشاد، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل. والصلاة والسلام على الرسول المصطفى خير البشر، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فمن المعلوم أن المعاملات في الإسلام تجمع بين الثبات والتطور، فالربا والغش والاحتكار من الأشياء التي حرمها الإسلام منذ أربعة عشر قرنا، وهي حرام إلى يوم القيامة، في كل زمان وفي كل مكان، مهما اختلفت الصور والأشكال. فليس لأحد أن يحل صورة مستحدثة أو شكلا جديدا ما دام في جوهره يدخل تحت ما حرمه الله سبحانه وتعالى.

والبيع حلال إلى يوم يبعثون، ولكن نقود اليوم ليست كنقود عصر التشريع، ومن سلع اليوم ما لم يعرفه العالم من قبل، واستحدثت أشكال يتعامل بها الناس في بيوعهم. وما دام البيع يخلو من المحظور فليس لأحد أن يقف به عند شكل تعامل به المسلمون في عصر معين.

لهذا كان من الضروري لمن يدرس فقه المعاملات المعاصرة أن يميز بين الثابت والمتطور، وأن ينظر إلى التكييف الشرعي للصور المستحدثة حتى يمكن بيان الحكم الشرعي، وأضرب هنا هذا المثال:

من أحدث ما توصلت إليه بعض البنوك الربوية أنها جعلت راتبا شهريا لمن يودع لديها مبلغا معينا، وحددت الراتب تبعا لمقدار ما يودع. ويعلن عن هذا النوع من التعامل في الصحف دعوة وترغيبا للناس.

وإذا تركنا هذه المؤسسة الحديثة بمشروعها المستحدث ونظرنا إلى المعاملات في العصر الجاهلي وجدنا من صور الربا صورة اشتهرت بين الناس، وهي: أن يدفع أحدهم ماله لغيره إلى أجل، على أن يأخذ منه كل شهر قدرا معينا، ورأس المال باق بحاله.

وإذا نظرنا إلى ما قبل العصر الجاهلي وجدنا هذه الصورة في الدولتين الإغريقية والرومانية فقد جرى العرف في كلتا الدولتين بأن الفائدة السنوية يؤديها المدين على أقساط شهرية!

(انظر دراسات إسلامية لأستاذنا الجليل المرحوم الدكتور محمد عبد الله دراز – ص ١٥٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>