للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجانب الأول - الاسم التجاري حق:

فقد أثبتنا فيما سبق أن الاسم التجاري في حقيقته مصلحة وحق، وقد رأينا اتجاه جمهور الفقهاء إلى اعتبار العلاقة الاختصاصية المباشرة بين التاجر والاسم التجاري بحيث يكون مسئولًا مسئولية كاملة عن هذا الاسم التجاري تجاه الآخرين، وفي ذات الوقت يمتنع على الآخرين الاعتداء على هذا الاسم، حتى يكون الاعتداء عليه اعتداء على حق مالي متقرر ما دام الاسم التجاري يمثل منفعة ذات قيمة في عرف الناس، والعلاقة إذا كانت على هذا الوجه تكون في فقه الشرع علاقة حق عيني، فيكون الاسم التجاري حقًا عينيًا وماليًا إذ الحقوق أموال كما نص عليه المالكية سواء أكانت مالية أو غير مالية (١) مع استثناء الحقوق التي لا تقبل التجزيء – كما سبق التنويه -.

الجانب الثاني - الاسم التجاري مال:

إن الاسم التجاري مال لما فيه من منفعة كبرى، هي أهم منافع المتجر، بل إن المتجر دون هذا الاسم والشهرة والسمعة التي تجلب الجمهور لا معنى له، ولا قيمة تجارية حقيقية فيه.

ولقد ثبتت هذه المنفعة وتأكدت من تعارف الناس والتجار منهم على سبيل الخصوص على اعتبار القيمة والمنفعة في هذا الاسم التجاري، فقبلوا التعارض فيه. والمعاوضة أساس الملك، والملك مال عند المالكية، ونظرًا لما فيه من قيمة فهو مال عند الشافعية والحنابلة – كما سبق بيانه -.

وبالنظر إلى كل من هذين الجانبين سواء كانا مجتمعين أو منفردين تصلح كلها أن تكون محلًا للملك فيجري فيها – في خصوص الاسم التجاري – جريانه في غيرها من الأعيان، فالملك يتحقق دون نظر إلى كون محله عينًا أو منفعة أو أمرًا معنويًا ما دام بالإمكان حيازته واستيفاؤه أو الاختصاص به إذ الاختصاص يقوم مقام الحيازة فيما لا تقبل طبيعته الحيازة المادية كالديون. وإذا كان ذلك كذلك فإن الاسم التجاري يجري فيه الملك والاختصاص فيجوز التصرف فيه بالبيع والهبة والوصية وما إلى ذلك. كما يجري فيه الإرث ويلزم، كما يلزم ضمانه عند التلف، وفي الجملة يجزي فيه ما يجزي في الأعيان، إذ حاله من حالها فحكمه حكمها. مع مراعاة طبيعة كل منهما.

هذا هو الحكم في أصل الموضوع، أما فروعه وتطبيقاته فينبغي أن يراعى فيها ما يشترط لصحة التصرف فيها من شروط.

فيراعى في بيع الاسم التجاري أن لا يترتب على هذا البيع غرر من شأنه إبطال العقد وإفساده فبيع الاسم التجاري يلزمه بيع مضمونه فيما يدل عليه من جودة وإتقان ومواصفات للسلع المشمولة في وعائه. فإن انفصلت الجودة والإتقان عن ذات الاسم التجاري كان ذلك تدليسًا وغشًا لا يوقعه من توهم الجودة، ولما يوقعه من تغرير وتدليس للناس في إقبالهم على ذات السلع بناء على معهودهم في هذا الاسم التجاري الذي يستوعبها. فإن البيع في هذه الحال عقد باطل لما فيه من غرر في المثمن وهو الاسم التجاري.

أما إذا انتقل الاسم التجاري مع ما يدل عليه من جودة بضائعه وثبات صفاته المعهودة لدى المتعاملين معه، فإن تغير صاحب الاسم التجاري لا يغير من الأمر شيئًا فقد انفصل الاسم بمزاياه وشهرته إلى غيره، فلا يترتب على هذا تدليس أو تغرير. يستوي في ذلك أن يكون محل البيع الاسم التجاري وما يستوعبه من سلع وملحقاتها، أو بيع الاسم التجاري منفردًا مع اشتراط أن ينشئ المشتري مضمونًا جديدًا من السلع لهذا الاسم بذات المواصفات والجودة المعهودة من ذي قبل. فإن لم يكن ذلك فيجب أن يعلن التاجر أو الجهة المسئولة للناس كافة: أن الاسم التجاري المعهود لم يعد يمثل ما كان داخلًا في مشتملاته ووعائه، وأن المشتملات قد تغيرت من حيث المواصفات والأنواع. فإن فعل ذلك ارتفع اللبس والغرر.


(١) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ٤/٤٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>