للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب الحنفية:

وأما الحنفية، فتعريف البيع المشهور عندهم: " مبادلة المال بالمال " (١) . وعرفه بعض العلماء بقولهم: " مبادلة شيء مرغوب بشيء مرغوب " (٢) ، ولكن المراد من الشيء المرغوب عندهم هو المال، فإن الكاساني الذي عرف البيع بهذا، ذكر في موضع آخر أن البيع مبادلة المال بالمال (٣) . وكذلك صاحب الدر المختار قد صرح في شرح ملتقى الأبحر أن المراد من الشيء المرغوب هو المال.

وأما تعريف المال، فقد اضطربت فيه عبارات القوم، فقال ابن عابدين:

" المراد بالمال ما يميل إليه الطبع، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة، والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم، والتقوم يثبت بها، وبإباحة الانتفاع به شرعًا " (٤) .

وحكى بعد ذلك عن الحاوي القدسي:

" المال اسم لغير الآدمي خلق لمصالح الآدمي، وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار " (٥) .

وليس في أحد من هذين التعريفيين ما يقصر المال على الأعيان، ويخرج الحقوق أو المنافع المؤبدة من تعريفه صراحة ولكن عرفه علاء الدين الحصكفي رحمه الله، صاحب الدر المختار، في شرحه على ملتقى الأبحر بما يقصره على الأعيان، فقال:

" والمراد بالمال عين يجري فيه التنافس والابتذال " (٦) .

وإن هذا التصريح في تعريف المال بكونه من الأعيان، وإن كان لا يوجد عند غيره بهذا الوضوح، ولكن الذي يستنبط من كلام الفقهاء المتأخرين من الحنفية وتعريفاتهم أنه ملحوظ عندهم في تعريف المال. ولذا فإن الأستاذ مصطفى الزرقاء انتقد هذه التعريفات، واستبدل بها تعريفًا آخر، وهو:

" المال: هو كل عين ذات قيمة مادية بين الناس " (٧) .

ومقتضى هذين التعريفين أن المال مقصور على الأعيان المادية، فلا يشمل المنافع والحقوق المجردة، ولذلك صرح الفقهاء الحنفية بعدم جواز بيع المنافع والحقوق المجردة، وقد صرحوا بأن بيع حق التعلي لا يجوز. قال الكاساني:

" سفل وعلو بين رجلين انهدما، فباع صاحب العلو علوه لم يجز، لأن الهواء ليس بمال " (٨) .

وقال صاحب الهداية:

"لأن حق التعلي ليس بمال، لأن المال ما يمكن إحرازه" (٩) .

وكذلك حق التسييل، قد صرح فقهاء الحنفية بعدم جوازه، ولم أر أحدًا منهم حكم بجواز حق التعلي، وحق التسييل (١٠) .

ولكن أجاز بعضهم بيع حق المرور وحق الشرب، ولنبين ما ذكره الحنفية في هذا الصدد.


(١) البحر الرائق: ٥/٢٥٦؛ وفتح القدير: ٥/٧٣؛ ومجمع الأنهر: ٢/٣؛ وشرح المجلة، لخالد الأتاسي: ١/٥، رقم المادة: ١٠٥.
(٢) بدائع الصنائع: ٥/١٣٣؛ والدر المختار: ٤/٤.
(٣) بدائع الصنائع: ٥/١٤٠، شرائط صحة البيع.
(٤) رد المختار: ٤/٣.
(٥) المرجع السابق؛ والبحر الرائق: ٥/٢٥٧.
(٦) الدر المنتقى، بهامش مجمع الأنهر: ٢/٣.
(٧) حكاه عنه أخونا الدكتور وهبه الزحيلي في " الفقه الإسلامي وأدلته ": ٤/٣٤٥.
(٨) بدائع الصنائع: ٥/١٤٥.
(٩) فتح القدير:٥/٢٠٤
(١٠) راجع رد المحتار: ٤/١٣٢؛ وشرح المجلة للأتاسي: ١/١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>