للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فربما يشهد هذا للنزول عن الوظائف. قال الحموي: فليحفظ هذا، فإنه نفيس جدا. اهـ.

وذكر نحوه البيري عند قول الأشباه: ينبغي أنه لو نزل وقبض المبلغ ثم أراد الرجوع عليه لا يملك ذلك.

واستطرد في الاحتجاج لرأيه حتى قال، ص ١٦: (وبه اندفع ما ذكره بعض محشي الأشباه من أن المال الذي يأخذه النازل عن الوظيفة رشوة، وهي حرام بالنص. والعرف لا يعارض النص .... واستدل بعضهم للجواز بنزول سيدنا الحسن ابن سيدنا علي رضي الله تعالى عنه عن الخلافة لمعاوية على عوض. وهو ظاهر أيضًا ....) .

واستطرد فقال: (قول ويلزم خلو الحوانيت) . (عبارة الأشباه أقول على اعتباره، أي اعتبار العرف الخاص ينبغي أن يفتي بأن ما يقع في بعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم. ويصير الخلو في الحانوت حقا له. فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ولا إجارتها لغيره ....) .

وإجازة العرف: التنازل بمال مشروطة بأن يكون العرف عاما، مستطردا أو غالبا، قائما عند إنشاء التصرف، لا يعارضه تصريح بخلافة، ولا يخالف نصا شرعيا من كتاب أو سنة، ويشهد للعرف قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن)) ، وابن نجيم يقول في الأشباه والنظائر: (وإنما العرف غير معتبر في المنصوص عليه) بين العاقدين، إذ ليس لهم أن يخالفوه (١) .

وليست الوظائف ملكا للموظفين ليتنازلوا عنها، ولا هي كذلك للدولة، بل هي بعض وسائل من سلطانها تهيؤها للموظفين ليقوموا بخدمتها، وهي بالنسبة لهم أدنى إلى الترخيص منها إلى الملك. والتصريح لهم بالنزول عنها لقاء مال ليس إلا تصريحا بالنزول عن حق معنوي، وإقرار القاضي يدل على أن الحق المعنوي مقيد بقيود من طبيعة ذلك الحق في حالة تنازل الناظر. ولذلك وجب إقرار القاضي لمن ولاه الإمام وظيفته، ويجب التزام طبيعة الوظيفة عند الاتفاق على ولاية الغير لها، ومثل ذلك كل تصريح يصدر عن السلطة يجب التزام شروطه، ومنها جواز النزول للغير أو عدم جوازه.

ولا يعتبر العرف ضرورة وإنما هو كالنص في إباحة العمل القانوني. بل هو – في القانون التجاري – يخصص العام، والقياس على تصرف الإمام الحسن لمعاوية رضي الله عنهما، غير صحيح. فالصحيح في تصرفه أن الذين بايعوه أقروا عمله ضمنا فكانت ولاية معاوية ببيعه مفروضة.


(١) أثر العرف في التشريع الإسلامي: رسالة د. السيد صالح عوض، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، ص ١٨٩ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>