للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق في الفقة الإسلامي

الذي دعانا للكلام والإطالة عن الاسم التجاري في العرف والقانون هو نشأته في حضنهما واكتسابه الثبات والاستقرار من خلالهما، فكان ذلك مدخلا لتصوره والوقوف على أوضاعه المختلفة ليكون ذلك منطلقا لفهمه وإدراكه في صورته ووضعه الحقيقي، وبالتالي يسهل علينا عرضه على قواعد ومفهومات الفقه الإسلامي، ومن ثم الوصول إلى حكمه الشرعي، من حيث البيع والتصرف به بعوض مالي.

وقد علمنا مما تقدم عرضه أن الاسم التجاري يعتبر حقا يختص به صاحبه لأنه ثمرة جهده ونتاج فكره، وهو كغيره من الحقوق المعنوية حق مالي عرفا وقانونا يملك صاحبه الاستعاضة عنه بالمال، كما يملك التصرف فيه التصرفات الناقلة للملكية كالهبة وغيرها.

وننتقل الآن لنبحث هذا الحق المتقرر عرفا وقانونا في الفقه الإسلامي لنرى ما يحكم به عليه وهو مقصود هذا البحث.

١- الحق المجرد والحق المتعلق بالمال:

الحقوق في الفقه الإسلامي كما في القانون نوعان حقوق مجردة وحقوق متعلقة بالمال، جاء في حاشية رد المحتار لابن عابدين وفي الأشباه: لا يجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة كحق الشفعة ولا الصلح بما مع المخيرة لتختاره، وكذا لو صالح إحدى زوجتيه بمال لتترك نوبتها لم يلزم ولا شيء لها (١) .

وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير: (قوله حق) هذا جنس يتناول المال وغيره كالخيار والشفعة والقصاص والولاء والولاية (٢) .

أما الحق المتعلق بالمال، فهو ما يمثل منفعة في العرف العام مطلقا، أو في العرف الخاص، ولم يخالف نصا، لأنه لا يصلح ناسخا للنص ولا مقيدا له، وإلا (بأن لم يخالف نصا) فقد اعتبروه في مواضع كثيرة، منها: مسائل الإيمان، وكل عاقد وواقف، وحالف، يحمل كلامه على عرفه. وأفاد ما مر أن العرف العام يصلح مقيدا (للنص) (٣) .

ومعنى ذلك أن الحق إذا مثل منفعة في عرف الناس العام أو الخاص الذي لا يعارض أو يخالف نصا فهو مال، يصلح الاستيعاض عنه بالمال، لأنه في هذه الحالة يمثل منفعة مشروعة.

ولعل النص التالي للسرخسي في المبسوط يجلي هذه القضية بطريقة أوضح. قال: (إن المال هو اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به مما هو عندنا والمنافع منا أو من غيرنا بهذه الصفة، وإنما تعرف مالية الشيء بالتمول، والناس يعتادون تمول المنفعة بالتجارة فيها، فإن أعظم الناس تجارة الباعة، ورأس مالهم المنفعة .... والمنفعة تصلح أن تكون صداقا، وشرط صحة التسمية، أن يكون المسمى مالا) (٤) .


(١) حاشية رد المحتار لابن عابدين ٤/ ٥١٨
(٢) ٤/ ٤٥٧
(٣) رد المختار، مرجع سابق ٤/ ٥١٩
(٤) المبسوط للسرخسي ١١/ ٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>