للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* الشافعية:

ولكن الشافعية توسعوا في معنى البيع بما يشمل المؤبدة، كحق المرور المقرر على أرض الغير، فاعتبروا ذلك بيعا رغم أنه منفعة، قال الخطيب الشربيني في تعريف البيع: (وحده بعضهم بأنه عقد معاوضة مالية يفيد ملك العين أو منفعة على التأبيد. فيدخل بيع حق المرور ونحوه وخرجت الإجارة بقيد التأقيت فإنها ليست بيعا) .

ولعل السبب في اشتراط أن يكون المبيع ذاتا معينة هو أن البيع يفيد دوام ملك العوض المتمثل في المبيع، ولا كذلك الإجارة التي من طبيعتها التأقيت، ولذلك أجاز الشافعية إطلاق لفظ البيع على المنفعة المؤبدة، كما في بيع حق المرور على أرض الغير، لمصلحة أرض أخرى.

ولكن عند التأمل يبدو للناظر أن المقابل المدفوع في حق المرور المقرر لمصلحة عقار آخر يصعب اعتباره ثمنا حتى تكون هذه المعاملة بيعا، لأنه مقابل الانتفاع بذات لا يمكن التصرف فيها تصرفا ناقلا للملكية، كما هو شأن المبيع وإنما يشبه إلى حد كبير الأجرة المقررة للانتفاع بالمرور على أرض الغير فيدل على ذلك أن هذا المقابل كما يمكن تحديده منذ البداية ودفعه مرة واحدة أو مقسطا، يمكن أيضًا تحديده في فترات متتابعة بنفس المقادير السابقة أو بخلافها، مما يؤكد شبهه بالأجرة، لذلك يصعب في نظري قبوله ثمنا في بيع، وإن جرى التجاوز بإطلاق لفظ البيع عليه في عبارات بعض الفقهاء.

ومن تعريفات الفقهاء للبيع المنقولة عنهم في النماذج السابقة، نلاحظ أيضًا أنهم يشترطون لإطلاق لفظ البيع أن يكون العوض ماليا، ولذلك لم يطلقوا على عقد النكاح لفظ البيع مع توفر شرط أن المعقود عليه ذاتا معينة تستوفى منها منفعة غير مالية.

المبيع:

ما هو المبيع؟ المبيع هو المحل في عقد البيع – أي الشيء الذي يقع عليه التعاقد وليس هو ركنا هاما من أركان عقد البيع فحسب وإنما هو المقصود الأساسي في هذا العقد، يقول الكاساني في بيان مكانة المبيع وأهميته في عقد البيع: إن الثمن غير مقصود في عقد البيع بل وسيلة إلى المقصود، إذ الانتفاع بالأعيان لا بالأثمان، ولهذا اشترط وجود المبيع دون الثمن، فبهذا الاعتبار صار الثمن من جملة الشروط بمنزلة آلات الصناع، ومن هذا قال في البحر: ثم اعلم أن البيع وإن كان مبناه على البدلين، لكن الأصل فيه المبيع دون الثمن، ولذا تشترط القدرة على المبيع دون الثمن وينفسخ بهلاك المبيع دون الثمن (١) .

ومن تعريفات الفقهاء المتقدمة للمبيع، نلاحظ أنهم يشترطون فيه: أن يكون عينا معينة (ذاتا) وهذا واضح وصريح عند المالكية والأحناف، ولكن ما نقلناه عن الخطيب الشربيني يفيد أن الشافعية يعتبرون بيع حق المرور من نوع بيع المنفعة – المؤبدة – وهي غير ذات معينة، لكن أن الشافعية يعتبرون بيع حق المرور من نوع بيع المنفعة – المؤبدة – وهي غير ذات معينة، لكن لما كان حقا مؤبدا صار في نظرهم أشبه ببيع العين الدائم، والحنابلة أوضح من الشافعية في اعتبار بيع المنفعة وعدم التقيد بكون المبيع ذاتا معينة، فقد جاء في كشاف القناع قوله تنبيه: ظاهر كلامه هنا كغيره، أن النفع لا يصح بيعه.

مع أنه ذكر في حد البيع صحته فكان ينبغي أن يقال هنا: كون المبيع مالا أو نفعا مباحا مطلقا، أو يعرف المال- بما يشمل الأعيان والمنافع (٢) .


(١) بدائع الصنائع: ٥/ ٥٠١ و ٥٠٢
(٢) المبسوط، للسرخسي: ١١/ ٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>