للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طبيعة الترخيص:

فما هي طبيعة هذا النوع الأخير من التراخيص، النوع التجاري؟. يبدو أنه من المتفق عليه أن هذا النوع من التراخيص لا يتعلق بعين محددة قابلة لنقل ملكيتها مقابل عوض، آيا كان ذلك العوض وإنما هو أمر غير ذلك تماما.

وننتقل فنسأل مرة أخرى: هل هو منفعة عين قائمة فيصح نقلها والتصرف فيها، التصرف المشروع على رأي الجمهور؟. والإجابة على ذلك بالنفي فليس الترخيص منفعة قائمة بعين أو ذات محددة وإذن فما هي طبيعته؟

الذي يظهر لنا أن الترخيص التجاري هو من نوع حقوق الانتفاع، لأنه إذن بالانتفاع، وهذه هي طبيعة الرخصة في الفقه الإسلامي – والرخصة إباحة، فهل يصح أخذ عوض عنها بطريق البيع أو الجعالة أو الإجارة مثلا؟

وقبل الإجابة على هذا السؤال، واستكمالا للبحث عن تحديد طبيعة الترخيص لا بد أن نشير إلى أن الترخيص في حد ذاته رجوع بالأمور إلى وضعها الطبيعي، ذلك أن الأصل أن يكون لكل فرد أو جماعة الحق في أن تمارس العمليات التجارية تصديرا أو استيرادا دون قيود أو موانع، ولكن تعقيدات الحياة الاقتصادية المعاصرة كما أشرت سابقا هي التي اقتضت وضع القيود على حرية ممارسة عمليات التجارة تصديرا واستيراد، فنشأت التراخيص لهذه الممارسة بناء على توفر ظروف وشروط معينة تتعلق بالجهة المرخص لها.

العلاقة بين مانح الترخيص والمرخص له:

ومعنى ذلك أن بيع الترخيص قد يؤدي إلى خلل بتوفر الظروف والشروط الممنوح بها الترخيص أصلا، وإلا لحصل عليه هذا المشتري من الجهة المرخصة دون مقابل، فهل هذا الخلل في العلاقة بين الجهة المانحة للترخيص وبين الممنوح له يعد أمرا محظورا ويترتب عليه حكم شرعي على هذه العلاقة، الشيء المؤكد أن ذلك لا يصح نظاما وقانونا، ولكنه من حيث الصحة أو البطلان الشرعيين، فإنه راجع إلى تدبيرات نظامية تستهدف تحقيق المصلحة العامة وهي أمور نسبية غير مقطوع بها فلا يترتب عليها أثر شرعي فيما يبدو لنا.

العلاقة بين صاحبي الترخيص والمنقول إليه:

أما من ناحية العلاقة بين بائع الترخيص ومشتريه فهذه هي التي يلزم البحث فيها شرعا للوقوف على الحكم الشرعي فيها، لأنها علاقة معاوضة مالية، فهل تصح هذه المعاملة شرعا بين بائع الترخيص التجاري ومشتريه؟

لقد ذكرنا فيما مضي أن بيع الترخيص لا يمثل معاملة تقع على عين مالية ولا على منفعة متعلقة بالعين، ولكنها نوع من حق الانتفاع، ولكن وجدنا العرف قد جرى باعتبارها وأصبحت ممارستها شائعة بين الناس، ومعنى ذلك أن العرف قد جعلها منفعة معتبرة بعد أن كانت حق انتفاع فقط، والعرف حكم في مالية الأشياء، وهي كما هو مشاهد قد أصبحت تمثل منفعة ومصلحة حقيقية عرفا وليست موهومة كما يبدو.

حكم بيع الترخيص:

وبما أن الترخيص حق خاص بصاحبه، وأن الحق ذا القيمة المالية عرفا يصلح لأخذ العوض عنه، لأنه منفعة مشروعة ولا يتعارض مع نص شرعي كما جاء في هذا البحث فإني أرى صحة بيع أو نقل ملكية الترخيص – باعتباره حقا خاصا بصاحبه – بعوض أيا كان ذلك العوض، أو بدونه.

والله أعلم بالصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل

الدكتور حسن عبد الله الأمين

<<  <  ج: ص:  >  >>