الحمد لله رب العاملين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه وأزواجه أجمعين، وبعد:
استجابة لطلب الأمين العام لمجمع الفقه أردت أن أقدم بحثا مختصرا حول ما يسمى بالإيجار الذي ينتهي بالتمليك، وهو العنوان الذي اقترحه فضيلته لهذا البحث، وهذا الموضوع كما يستشف من العنوان هو موضوع جديد وعقد حديث نشأ وترعرع في ظل القانون الوضعي، ومن المعلوم أن سنة التطور في هذا الزمان قد جرت، بأن أقطارنا الإسلامية أصبحت تستورد السلع المصنوعة من العالم الآخر، وقد تستورد معها التكنولوجيا لتصنيع هذه السلع محليا وهو أمر مرغوب فيه، إلا أنها قد تستورد مع هذه السلع أحيانا كثيرة الأنظمة وطرق التعامل والتبادل ووسائل التقاضي والتراضي حيث تكون إرادة الطرفين قانونا للعقد ورضاؤهما أساس الحكم الذي تصدر عنه القوانين والذي يرجع إليه القضاة دون نظر إلى أصول خلقية، وقواعد ضابطة لا يمكن الخروج عنها، فحادوا بذلك عن الصراط المستقيم واختلت لديهم موازين العدل التي لا تقوم إلا على الأنظمة الإلهية التي لا يطمع في الاستلهام بمنهجها والاقتباس من نورها إلا من سلك سبيل سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وأخذ من الكتاب والسنة بقسط وافر، وأقام ميزان على هديهما عن طريق القياس الصحيح طبقا لأصوله ومقاييسه التي وضعها وتواضع عليها سلف هذه الأمة، وهناك شرط آخر يغفله الكثيرون ألا وهو أن يكون القائس عامل بما علم متبع للسنة النبوية إذ لا يقوم على هذا الميزان من حاد عن السبل وجارت به الطرق وارتضى دينا غير دين الإسلام، وقانونا يخالف شريعة سيد الأنام، فعميت عليه الأنباء، ولعبت بعقله الأهواء، لهذا فإن مسألتنا من هذه المسائل الموجودة في غير بيئة هذا الميزان وليس معنى هذا أن نرفضها سلفا ونصدف عن جوهرها ونتخذه صدفا قبل أن نعرضه على ميزان الصدق الذي أشرنا إليه آنفًا، وعليه فسنفصل البحث فيها أولا إلى مقدمة في تعريف هذا العقد تعريف يشمل الجنس والفصل والخاصة وتكييفه من الناحية القانونية معتمدين في هذا على نقل أهل هذا الفن تاركين لهم الكلمة في تعريفه وتكييفه وتصنيفه، ثم نصنف بحثنا في مسائل تنبني على الفروض المختلفة تبين وجهة النظر الفقهية باختصار غير متوسعين في غرض القضية، ثم نختم بخاتمة نقترح فيها ما يمكن أن يكون بديلا أو أن يكون صيغة مقبولة من الناحية الشرعية.