للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد: فهذا بحث يتعلق بإيجار البيع وبيع الإيجار، مسألة عمت بها البلوى في سائر الأقطار، فراجعة هذه المسألة على اشتغال وركوب أسفار، إلا أني سلكت في البحث عنها الأنجاد والأغوار، قصد إخارجها عن قاعدة الغرر والخطار، ونفي الضرر والضرار، عن طريق إجارة مع بيع بخيار، أو بيع لاحق ببيع أو هبة بعد تمام عقد الإيجار، على صعوبة في الإيراد ووعورة في الإصدار، آثرت في بحث هذا الاختصار ومحاولة القرب من أقوال ذوي الاستبصار، معترفًا بالقصور عن شأو الاجتهاد والاختيار.

سائلًا الله جل وعلا وهو الكريم الغفار أن يوفقنا فيما أردنا ويسلمنا من العثار وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وهذا البحث وهذا الموضوع: كما يتبين من العنوان هو موضوع جديد، وعقد حديث نشأ وترعرع في ظل القانون الوضعي، ومن المعلوم أن سنة التطور في هذا الزمان قد جرت بأن أقطارنا الإسلامية أصبحت تستورد السلع المصنوعة من العالم الآخر، وقد تستورد معها التكنولوجيا لتصنع هذه السلع محليًّا وهو أمر مرغوب فيه، إلا أنها قد تستورد مع هذه السلع أحيانًا كثيرة الأنظمة وطرق التعامل والتبادل ووسائل التقاضي والتراضي، حيث تكون إرادة الطرفين قانونًا للعقد، ورضاؤهما أساسًا للحكم الذي تصدر عنه القوانين، والذي يرجع إليه القضاة دون النظر إلى أصول خلقية، وقواعد ضابطة لا يمكن الخروج عنها، فحادوا بذلك عن الصراط المستقيم، واختلت لديهم موازين العدل التي لا تقوم إلا على الأنظمة الإلهية، التي لا يطمع في الاستلهام بمنهجها والاقتباس من نورها إلا من سلك سبيل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ من الكتاب والسنة بقسط وافر، وأقام ميزانا على هديهما عن طريق القياس الصحيح، طبقًا لأصوله ومقاييسه التي وضعها وتواضع عليها سلف هذه الأمة، وهناك شرط آخر يغفله الكثيرون، ألا وهو أن يكون القائس عاملًا بما علم متبعًا للسنة النبوية، ولا يقوم على هذا الميزان من حاد عن السبل وجارت به الطرق وارتضى دينًا غير دين الإسلام، وقانونًا يخالف شريعة سيد الأنام، فعميت عليه الأنباء، ولعبت بعقله الأهواء، لهذا فإن مسألتنا من هذه المسائل الموجودة في غير بيئة هذا الميزان، وليس معنى هذا أن نرفضها سلفا ونصدف عن جوهرها ونتخذه صدفًا، قبل أن نعرضه على ميزان الصدق الذي أشرنا إًليه آنفًا، وعليه فسنفصل البحث فيها أولًا إلى مقدمة في تعريف العقد تعريفًا يشمل الجنس والفصل والخاصةـ وتكييفه من الناحية القانونية معتمدين في هذا على نقل أهل هذا الفن تاركين لهم الكلمة في تعريفه وتكييفه وتصنيفه، ثم نصنف بحثنا في مسائل تنبني على الفروض المختلفة تبين وجهة النظر الفقية باختصار غير متوسعين في عرض القضية، ثم نختم بخاتمة نقترح فيها ما يمكن أن يكون بديلًا أو أن يكون صيغة مقبولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>