المسألة الثانية: وعد ببيع لاحق بعد الإيجار، وقد علمت تخريجه على مسألة الإقالة السابقة وهذه الصيغة ضعيفة لا تجد سندًا إلا في أصل وجوب الوفاء بالوعد، وهو في البيوع غير مفرع عليه في المذهب كما أسلفنا، إلا أنها لما كانت بعد العقد كانت أخف من شرط البيع الواقع في العقد، فأمكن تخريجه على الوعد الواقع على سبب وقد تقدم ما فيه.
ثالثًا: وهو أن يبيعه بشرط ألا يمضي البيع إلا بدفع الثمن، وهذه ليست من باب البيع، على إن لم يأتِ بثمن النكاية فلا بيع، هذا بيع انعقد إلا أنه لا يمضي. وهناك فرق بين الانعقاد والمضي نبه عليه البناني، ألا يمضي البيع إلا بدفع الثمن فيكون المبيع معلقًا على دفع آخر الثمن. وحسب ما يفيده الزرقاني عن أبي الحسن على المدونة هذه الصيغة جائزة معمول بها وسلمه البناني ومع كلمة (ألا يمضي) بدلًا من (ألا ينعقد) ، فتكون الذات كالمحبوسة للثمن أو للإشهاد، كما أشار إليه خليل بقوله (وضمن بالقبض إلا المحوبسة للثمن أو للإشهاد كالرهن. فالبيع منعقد غير نافذ – أرجو أن تضربوا على كل ما تضمنته هذه المسألة الثالثة وأن تضعوا مكانه ما أقوله الآن فالبيع منعقد غير نافذ – فإذا دفع بعض الثمن وأراد البائع استرجاع السلعة رد ما أخذه.
صورة رابعة: وهي أن يبيعه بيعًا باتًّا على أن لا يتصرف في المبيع حتى يفي بالثمن فيلزمه الوفاء بذلك، وتصير كالمرهونة فلا يتصرف فيها إلا إذا وفي بالثمن وهي مستثناة من قول خليل: (وكبيع وشرط يناقض المقصود كأن لا بيع ".) قال الدردير: كأن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع أولا يهب أو لا يتخذها أم ولد) .
وفي سماع علي بن زياد، سئل مالك – رضي الله عنه – عمن باع عبدًا أو غيره وشرطه على المبتاع أن لا يبيعه، ولا يهبه، ولا يعتقه، حتى يعطيه ثمنه قال: لا بأس بهذا، لأنه بمنزلة الرهن إذا كان إعطاء الثمن لأجل مسمى.
هذه صيغة أخرى جديدة – الصيغة الخامسة والأخيرة.
وعد بهبة لاحق بعقد الإيجار جار على سبب، وهذا أجدر هذه الأوجه بالجواز وأولاها بالصواب، وهذا ما نراه في هذه المسألة. والله أعلم.
كلمة أخيرة: السمة المشتركة بين هذه البحوث هي أنها لا تجيز هذا العقد في بنيته، ومع نيته، لا بد من تغيير البنية وتغيير النية، حتى يجوز هذا العقد. إذا كان في بنيته يرد الأقساط، فلا شيء للمشتري، يكون المشتري دائمًا هو الطرف الأضعف، والبائع هو الطرف الأقوى، الذي يأخذ كل شيء ثمنه مذهبًا. وشكرًا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.