سيدى الرئيس: الحقيقة أن الموضوع الذي هو بين أيدينا اليوم هو موضوع يتعلق بما يطلق عليه في القوانين الوضعية الصورية، وقد ذكره السنهوري وحلله في كتابه (الوسيط) في ضوء القوانين العربية بمقارنات وإن كانت قليلة مع الشريعة الإسلامية، ثم تعرض له القانون الكويتي في المادة ١٩٣ ,١٩٤. وتعرض له القانون المغربي في المادة ٢٢، وقد أعددت عليها رسالة ماجستير في الصورية بين الشريعة والقانون. والخلاف يدور بين الحكم الشرعي الذي تعرض إليه الإخوان في مدار العقد بين الألفاظ والمباني، أو المقاصد والمعاني، فالمالكية في بعض آرائهم رجحوا الالتجاء إلى العقد الخفي، والحنفية ذهبوا إلى ذلك أيضًا. وقد شرح السنهورى- رحمه الله – هذا في كتابه الحقوق العينية والضمانات، أو مصادر الحق في الشريعة الإسلامية والقانون. والبحوث التي قدمت الآن، الدكتور عبد الله أعجبنى استنباطه في كتاب (الدرر) حيث نص على أن الخلاف وقع في الموضوع وعلى أن الخلاف إذا وقع حسب الرأي الذي استند إليه كان مدعاة للاجتهاد. لهذا فإن المجمع منذ البداية مزج الباحثون بين شيئين مختلفين، بيع العقار وبيع ماعدا العقار، ففي العقار المسألة واضحة وقد حلتها بلاد المغرب باتخاذ طريقة توافق الشريعة الإسلامية ويستفيد منها الضعفاء. ذلك أن الشركة أو البنك أو الجهة الممولة تبنى دورًا للسكنى فتحدد ثمنها، وتعرضه على الناس من أراد أن يشتري فليشترِ، يدفع قسطًا ضئيلًا جدًا في الأول، ويدخل المبنى على أنه ملك له وتبقى ما يسمى بوثيقة المحافظة العقارية التسجيل العقاري في الدفتر العقاري والذي هو إجراء لا يتعلق بالمسطرة الإسلامية، يبقى مؤجلًا حتى تنتهي الأقساط. أما صاحب العقار الذي يدخله فيصبح مالكًا لعقاره، لكنه مدين لصاحب المشروع بذلك المبلغ، وإن عجز عن أدائه تتبع في سبيله مسطرة أداء الدين في الشريعة الإسلامية بقي شيء هو الرهن الرسمي. ففي الشريعة الإسلامية الرهن – حسب ما لدي من معلومات متواضعة – الرهن وعد واحد، الرهن الحيازي وليس هناك رهن رسمي، بينما في الغرب نجد الرهن الحيازي والرهن الرسمي أي أن الشخص يكتب على صك الملكية أنها مرهونة وأنه لا يستطيع التصرف فيها إلا بعد أن تطهر من الدين الذي أصبح لاحقًا بها، فكان في نظري من اللائق أن يدرس المجمع الموقر شرعية أو عدم شرعية الرهن الرسمي فإذا توصلنا إلى جوازها فالمسألة محلولة؛ لأن المسطرة الموجودة هي مسطرة تسهل على الضعفاء. وأظن على أن جمعنا الموقر يريد إيجاد السبل التي تسهل على ضعفاء المسلمين الانتفاع بما بيدي أغبيائهم عن طريق تغاير الربا، أما إذا نحن نسقنا مع نظريات البنوك التي تهيؤها من أجل أن تضمن لنفسها الربح فإننا سنسد كل سبيل على الضعيف يمكن أن ينتفع به من مال الأغنياء، إذن فالمسألة في نظري ينبغى أن يفرق فيهما فيما بين تأجير الطائرات والسيارات، وهذا شيء لا أرى أنه يجوز إلى الدرجة التي يقول الجميع هنا لأنه عين تندثر، فإذا بيعت يمكن أن يبقى دين ممتاز أو دين ليسدد من ما بيد المدين. أما أن يأخذ شيئًا يمكن أن يندثر في يوم أو في يومين ويؤجره في شهر أو شهرين أو ثلاثة، وتأخذ الشركة أقساطًا من التأجير وعندما يهلك تصبح تطالبه بالدين كله، أو عندما يصبح لا فائدة فيه بعد عشر سنين يصبح ملكًا له، فهذا فيه مضرة للضغيف. ولكنني لا أتدخل هنا لأن المسألة أظن أنها ينبغى أن تدرس شرعيًّا فيما يرجع إلى الأشياء التي تندثر والأشياء غير العقار. أما العقار فينبغى أن يكون عقد تمليك من اللحظة الأولى، وأن تكون جهة التمويل تطالب الشخص فقط بذلك المبلغ على أنه دين مقسط. والدين المقسط جائز في الشريعة الإسلامية. وشكرًا لكم.