للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقوال الفقهاء

تلك كانت أقوال المفسرين في ربا الجاهلية الذي تناولته آيات القرآن ومنه القرض بزيادة مشترطة عند العقد، فإذا انتقلنا إلى أقوال الفقهاء، فإنا نجد عددا منهم يعتبر القرض بزيادة عند العقد صورة أخرى من صور ربا الجاهلية المحرم بالقرآن، قال الكمال ابن الهمام: " الربا: يقال لنفس الزائد، وفيه قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} أي الزائد في القرض والسلف على المدفوع.. ويقال لنفس الزيادة أعني بالمعنى المصدري، ومنه قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} . أي حرم أن يزاد في القرض والسلف على القدر المدفوع ". (١)

وهذا كلام صريح بأن الزيادة في القرض عند العقد هي من ربا الجاهلية المحرم بنصوص القرآن الكريم.

ربا الديون، وربا البيوع

ونجد ابن رشد الحفيد يقسم الربا إلى ربا ديون، وربا بيوع – فيقول: " اتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين: في البيوع، وفيما تقرر في الذمة، من بيع أو سلف أو غير ذلك ". (٢) وهو تقسيم دقيق، اتجه إليه أغلب العلماء في هذا العصر، ويدخل في ربا الديون إحدى صور ربا الجاهلية الذي حرمه القرآن – وهو ربا النسيئة – أي الزيادة في الدين في نظير الأجل، سواء نشأ ربا الدين عن قرض بزيادة مشترطة عند العقد، أو بيع مؤجل أعيد تأجيله بربا للعجز عن الوفاء عند الأجل الأول، وعلى ذلك فربا الديون هذا قاصر على النساء فقط ولا يدخله ربا الفضل.

أما ربا البيوع فهو شامل لربا الفضل، وربا النسيئة كل على حدة – حسب التقسيم القديم المعهود، وقد يجتمعان معا في وقت واحد كما في بيع الربوي بجنسه مع التفاضل – كبيع أوقية من الذهب بأوقية وربع الأوقية، إلى أجل شهر مثلا.

ونعود إلى ابن رشد فنجده يستطرد قائلا: " فأما الربا الذي تقرر في الذمة فهو صنفان: صنف متفق عليه، وهو ربا الجاهلية: الذي نهى عنه، وذلك أنهم كانوا يسلفون بالزيادة، وينظرون، فكانوا يقولون: أنظرني أزدك. وهذا هو الذي عناه عليه الصلاة والسلام بقوله في حجة الوداع: ((ألا إن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب)) . (٣) فابن رشد يجعل السلف بزيادة من صنف ربا الجاهلية المنهي عنه بالقرآن الكريم – وهو القرض بزيادة، وهو كما يقول صنف متفق عليه.

ويقول ابن قدامة: "وكل قرض شرط أن يزيده فهو حرام بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن السلف إذا شرط على المستلف زيادة أم هدية، فأسلف على ذلك: أن أخذ الزيادة على ذلك ربا ". (٤)


(١) فتح القدير على الهداية ج ٥ ص ٢٧٤ الطبعة الأميرية.
(٢) بداية المجتهد ج ٢ ص ١٢٨ – طبعة دار المعرفة.
(٣) بداية المجتهد – طبعة دار المعرفة.
(٤) المغني لابن قدامة ج ٤ ص ٣٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>