للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الأعراف الصحيحة التي أقرتها الشريعة الإِسلامية مراعاة ما عليه أهل كلَّ بلد في ألفاظهم وموازينهم ومكاييلهم، ومن أمثلة ذلك:

١- إذا حلف شخص فقال: "لا ركبت دابَّة، وكان في بلد عرفُهم في لفظ الدابَّة الحمار خاصة اختصت يمينه به، ولا يحنث بركوب الفرس ولا الجمل.

وإن كان في عرفهم لفظ الدابَّة الفرس خاصة حملت يمينه عليها دون الحمار، وكذلك إن كان الحالف ممن عادته ركوب نوع خاص من الدواب كالأمراء ومن جرى مجراهم حملت يمينه على ما اعتاده من ركوب الدواب، فيُفْتَى في كلَّ بلد بحسب عرف أهله، ويُفْتَى كلُّ أحد بحسب عادته (١) .

٢- إذا حلف شخص لا اشتريت كذا، ولا بعته، ولا حرثت هذه الأرض ولا زرعتها، ونحو ذلك، وعادته ألا يباشر ذلك بنفسه كالملوك حنث قطعًا بالإِذن والتوكيل فيه، فإنَّه نفس ما حلف عليه (٢) .

٣- إذا حلف حالف: لا أكلت رأسًا في بلد عادتهم أكل رؤوس الضأن خاصة لم يحنث بأكل رؤوس الطير والسمك ونحوها، وإن كان عادتهم أكل رؤوس السمك حنث بأكل رؤوسها (٣) .

٤- إذا حلف شخص بألا يأكل ميتة فأكل سمكًا فإنَّه لا يحنث كما صححه الرافعيُّ وعلله بالعرف. ولو حلف لا يأكل دمًا لا يحنث بأكل الكبد والطحال (٤) .

٥- وإذا حلف إِنسان أن لا يضع قدمه في دار فلان، فدخل الدار راكبًا أو محمولًا على الأكتاف حنث، لأنَّ المعنى العرفيَّ لوضع القدم في الدار يعني الدخول فيها على أي صورة كان، وليس المراد منه مجرد وضع القدم.

٦- إذا وكَّل رجلٌ آخر في البيع، ولم يقيده بشيء فإنَّ الموكَّل يتقيد بثمن المثل وغالب نقد البلد تنزيلًا للغلبة منزلة صريح اللفظ، كأنه قال للوكيل: بع هذا بثمن مثله من نقد هذا البلد.

فإذا باع الوكيل الدار التي تساوي عشرات الألوف من الدنانير ببضعة دنانير فعند أهل العرف أن هذا لا يقبل، لأنَّ قول الموكَّل لوكيله: بع داري يجب حمله على ثمن مثلها (٥) .


(١) إعلام الموقعين: ٣ /٦٤.
(٢) إعلام الموقعين: ٣ /٦٥.
(٣) إعلام الموقعين: ٣ /٦٥.
(٤) التمهيد: ص ٢٣٤.
(٥) هذا المثال والأمثلة التي بعدها مستفادة من أمثلة كثيرة ذكرها العزُّ بن عبد السلام في قواعد الأحكاك: ٢ /١٢٦، ولكن بشيء من التصرف والاختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>