للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو اشتغل المعلَّمون بالتعليم بالأجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم، ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة وصناعة يلزم ضياع القرآن والدين، فأفتوا بأخذ الأجرة على التعليم، وكذا على الإِمامة، والأذان كذلك، مع أن ذلك مخالف لما اتفق عليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من عدم جواز الاستئجار وأخذ الأجرة عليه، كبقية الطاعات من الصوم والصلاة والحج وقراءة القرآن ونحو ذلك (١) .

ومن ذلك قول الإِمامين بعدم الاكتفاء بظاهر العدالة في الشهادة مع مخالفته لما نصَّ عليه أبو حنيفة بناءً على ما كان في زمنه من غلبة العدالة، لأنَّه كان في الزمن الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيريَّة، وهما أدركا الزمن الذي فشى فيه الكذب، وقد نصَّ العلماء على أن هذا الاختلاف اختلاف عصر لا اختلاف حُجَّةٍ وبرهان.

ومن ذلك تحقق الإِكراه من غير السلطان مع مخالفة قول الإِمام بناء على ما كان في زمنه من أن غير السلطان لا يمكنه الإِكراه، ثم كثر الفساد، فصار يتحقق الإِكراه من غيره، فقال محمد باعتباره، وأفتى به المتأخرون.

ومن ذلك تضمين الساعي مع مخالفته لقاعدة المذهب في أن الضمان على المباشر دون المتسبب، ولكن أفتوا بضمانه زجرًا بسبب كثرة السعاة المفسدين.

ومن ذلك مسائل كثيرة: كتضمين الأجير المشترك، وقولهم: أن الوصيَّ له المضاربة بمال اليتيم في زماننا، وإفتائهم بتضمين الغاصب عقار اليتيم والوقف، وبعدم إِجارته أكثر من سنة في الدور، وأكثر من ثلاث سنين في الأراضي، مع مخالفته لأصل المذهب من عدم الضمان وعدم التقدير بمدَّة.

ومن ذلك منع النساء عما كنَّ عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من حضور المساجد لصلاة الجماعة.

وإفتائهم بمنع الزوج من السفر بزوجته وإن أوفاها المعجَّل لفساد الزمان (٢) .

د. عمر سليمان الأشقر


(١) نَشْر العرف لابن عابدين (انظر مجموعة رسائله) : ٢ /١٢٣. وفي جعل هذه المسألة من اختلاف العرف نظر عندي، لأنَّ التحريم الذي قال به المتقدَّمون ليس مبنيًّا على العرف، بل على نصوص كثيرة دلَّت على هذا من الكتاب والسنَّة، والذين جَوَّزوا أخذ الأجرة من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار إنَّما جوزوه لأدلَّةٍ صحَّت عندهم، فلا يجوز أن يقال: إن العرف تغيَّر في هذه المسألة، وليست هذه المسألة من المسائل المبنيَّة على العرف، والأصحُّ أن يقال: إن تغيُّر الحكم فيها تغير اجتهاد.
(٢) نَشْر العرف لابن عابدين (انظر مجموعة رسائله) : ٢ /١٢٣. وفي جعل هذه المسألة من اختلاف العرف نظر عندي، لأنَّ التحريم الذي قال به المتقدَّمون ليس مبنيًّا على العرف، بل على نصوص كثيرة دلَّت على هذا من الكتاب والسنَّة، والذين جَوَّزوا أخذ الأجرة من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار إنَّما جوزوه لأدلَّةٍ صحَّت عندهم، فلا يجوز أن يقال: إن العرف تغيَّر في هذه المسألة، وليست هذه المسألة من المسائل المبنيَّة على العرف، والأصحُّ أن يقال: إن تغيُّر الحكم فيها تغير اجتهاد: ٢/١٢٤. وقد ذكر مسائل كثيرة غير المسائل التي نقلناها عنه، وفي أثناء بعض هذه المسائل على العرف نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>