وأخذت أمم أخرى بالحساب. وسنحاول في هذه الكلمة تتبع القضية من أصولها ثم في مذاهب المجتهدين ثم نختم بالرأى الذى نطرحه للنقاش.
القرآن الكريم:
١- تحدث القرآن عن الأهلة قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} ففي هذه الآية صرف للسائلين عن طلب بلوغ الحقائق العلمية التي تتوقف استبانتها على مقدمات معرفية في سلسلة مترابطة ومتساوية، صرفهم عن طلب بلوغها بالتلقين، إذ أن ذلك ليس سبيل المعرفة، وتوجيههم إلى ما ينبغى لهم طلبه وهو ما يمكن أن يستفيدوه من الظاهرة الكونية وليس ذلك منعًا لهم من بلوغ ما أرادوا علمه فالجواب يتضمن تأجيل الجواب لأن السائل لم يتهيأ بعد لإدراك ما يريد إدراكه ومع هذا فقد بين ارتباط التوقيت والمناسك بالأهلة.
٢- تحدث القرآن عن انتظام سير القمر، كبقية الكواكب قال تعالى:{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} وقال تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} . فكان انتظام هذا السير سبيلًا لتحديد السنوات وحساب الزمن.
٣- تحديد توزيع السنة على الأشهر: قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} .
٤- ربط بعض العبادات بوقت معين من حساب الشهور {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وربط أحكامًا أخرى بمطلق العد من الأشهر كقوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} .
إن تتبعنا للآيات الكريمة الواردة في هذا المقام نتبعه بالملاحظات الآتية:
١- أن حركة الأفلاك حركة دقيقة ثابتة لم تختلف عبر العصور فهي تسير على نسق منتظم من يوم خلق السماوات والأرض.
٢- أن الزمن مرتبط بهذه الحركة وأنه اثنا عشر شهرًا في السنة ولا يجوز الزيادة عليها.
٣- أنه لا توجد آية صريحة تبين طريقة التعرف على بداية الشهور.
٤- أن آية الصوم التي ورد فيها لفظ شهد، حمله بعضهم على الحضور كقولهم شهد بدرًا وشهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موجهين ذلك بما جاء في مقابل الآية {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ليكون وازنه، وحمله بعضهم على معنى (علم) أخذا من قوله تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ، أي علم حلول الشهر وليست شهد بمعنى رأى لأن فعلها شاهد لا شهد.