ولا يتحقق الإصلاح في هذا المجال إلا بتحسس الدارسين للمعاني والحكم لتعاليم الشريعة، وتنمية ملكات الطلاب، وإثارة مواهبهم.
العمل في الاتجاه الثاني: هو الاعتراف والقناعة الكاملة بأن الفقه الإِسلامي نظام قانوني عظيم، وثروة فكرية ثرّة، ولكن تحتاج إلى صقل وحسن إخراج وفهرسة، ليسهل تناوله للمثقفين وللمتعلمين.
ثالثًا: وثالثة الأثافي لإِحكام خطة تطبيق الشريعة بين الشعوب الإِسلامية عن قناعة تامة، وفهم كامل، يكون بالقيام بدراسة علمية جادة لإزالة الشُّبه والشكوك في صحته وفاعليته، ومواكبته للتقدم الحضاري في العصر الحديث.
أيها السادة: تعليقًا على هذه الأوراق، كانت الآمال معلقة في تكوين هيئات متخصصة، تمتلك الإمكانيات المادية والطاقات الفكرية، لمواجهة تلك المخططات بتأنٍ وعقلانية، وعلى نفس المستوى من الإحكام كالذي فعله المستعمرون إن لم يكن أحكم وأضبط.
وتشاء إرادة المولى عزَّ وجلّ الذي تكفل بحفظ هذا الدين، وإظهاره على الدين كله، أن أصبحت الآمال أعمالًا بارزة، ومؤسسات شامخة، ومجامع فقهية وهيئات علمية هنا وهناك بتمويل مادي وتعضيد معنوي من الدول الإسلامية، صدقت وعدها ليتحقق التخطيط والتنفيذ، وهكذا تهيأت أسباب العمل الناجح.
والمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي أنجز في السنوات القليلة الماضية، الأبحاث والدراسات للموضوعات الفقهية الملحة، وخطط لمشروعات علمية فقهية ما يعد إنجازًا في فترة قياسية.
ومجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي، وقد اضطلع بهذه الأمانة الكبيرة وأثبت قدرته في هذا الميدان، بما تحقق على أيدي المسؤولين والأكفاء فيه، قادرة بمشيئة الله ثم بكفاءة نخبة الفقهاء المخلصين، أن يسد الفراغ القانوني في العالم الإِسلامي، بتأليف مدونة فقهية كاملة، في المعاملات والأحوال الشخصية والجنايات والمحاكمات، تلبي حاجة العصر، وتواكب التقدم الحضاري في تخطيط سليم، ومسار شرعي مستقيم، يسجل به إنجازًا تاريخيًّا على مستوى العالم الإِسلامي، كالذي تحقق بظهور مجلة الأحكام العدلية العثمانية، يجد فيه العالم الإِسلامي – حكومات وشعوبًا – بغيتهم، تقوم به الحجة على عامتهم وخاصتهم، فتقطع به اتهامات المبغضين، وتدحض به تبريرات المستسلمين المنهزمين.
ومما يعزز هذا المشروع ويعضده، أن يخصص جانب من نشاط هذا المجتمع المبارك، لتجميع كافة دراسات المستشرقين والقانونيين والباحثين في الفقه الإِسلامي، لدراستها وفحصها فحصًا علميًّا دقيقًا، للإفادة من نقدها، في سبيل إيجاد مدونة فقهية كاملة، ونقض ما يتخللها من نقائض ونقائص قد أُسيء فيها فهم الشريعة قصدًا أو بغير قصد، بمنطق واعتدال.
إن تعبئة الطاقات البشرية، والإمكانات المادية لهذين المشروعين المتكاملين، في المرحلة الجديدة القادمة، تعد خدمة جليلة في سبيل مساعدة الدول الإِسلامية، للحكم بما أنزل الله، وتطبيق الشريعة بصورة كاملة في جميع الجوانب التشريعية.
إذا تحقق هذا – بمشيئة الله – بالخطى والخطوات المطلوبة على مستوى العصر، فكرًا وتنظيمًا، فسيكون علامة بارزة في تاريخ هذا المجمع، وأمجاد هذا الجيل من الفقهاء والمفكرين، والدول الإِسلامية المعاصرة تحمده لهم الأجيال الحاضرة والقادمة.
وإن أمانة المجتمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي، بما هيأ الله لها من رئاسة وأمانة مخلصة يساندهم، ويقوي من أزرهم الفقهاء والمفكرون ورؤساء الدول الإِسلامية، جديرة بإنجاز هذه المهمات، وتحقيق الطموحات والتطلعات في سبيل إنجاز هدف سامٍ، وغاية نبيلة، وذلك هو بذل كل جهد من شأنه أن يساعد على تطبيق الشريعة لتعود للمجتمعات الإِسلامية فضائلها وتسترد بالاحتكام إليها عزتها وكرامتها، والله الموفق، وهو الهادي إلى الحق، وإلى الطريق المستقيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.