وجدت كل هذه الفتاوى مع إغماض العين عن أوجه التفرقة بين الربا وكل من أجرة الخدمات والربح، وهي أوجه تفرقة ظاهرة واضحة لا تقبل الجمع بين الربا وكل من أجرة الخدمات والربح، في حال من الأحوال.
وقد ذكر العلماء الكثيرون – علماء الشريعة وعلماء المال والاقتصاد – مع الأدلة والحجج الواضحة أن هذه الفائدة ربا محرم سواء كانت على القروض بنوعيها الاستهلاكية والاستثمارية أو على الودائع الثابتة في البنوك وأمثالها.
ولهذا كله اتفق المسئولون في عالمنا الإسلامي وغيره في أوروبا وأمريكا على إقامة البنك الإسلامي الذي تجرى المعاملات فيه طبقا لقواعد الشريعة ومبادئها في المعاملات وقدمت حلول كثيرة لتكون بديلة عن تلك المعاملات الربوية التي تتبعها البنوك الربوية خاصة في التمويل لمختلف الأغراض الاستهلاكية والاستثمارية معا وغير ذلك من خدمات كانت تتضمن الربا أو شبهة منه وأغرقت الأسواق والمكتبات بالكتب التي تبحث عن هذه الحلول البديلة للمعاملات الربوية.
إذن فلا يصح أن تعتبر تلك الفائدة أجرة خدمات كما لا يصح أن تعتبر ربحا لما بين الربا وكل من أجرة الخدمات والربح من فروق واضحة، ولسنا هنا في موضع بيان لتلك الفروق، وأكتفي هنا بأن نركز مناقشتنا في الحلول الإسلامية لمسألة التمويل الربوي المذكور واختيار الأوجه الصالحة لتطبيقها في تمويل بناء المساكن وشرائها ونحوها من الحاجات الأساسية الاستهلاكية مع التركيز على نقطة من النقاط التي لم تنل حظا وافرا من العناية من كثير من الباحثين في موضوعات التمويل.
٢- تعريف للموضوع:
والموضوع هو التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها، وتعني كلمة التمويل قيام الجهة المالكة للمال – بنكا كان أو مؤسسة مالية عامة أو خاصة – بتقديم المال اللازم للمتعامل معها من أجل الحصول على حاجة ما أساسية أو غيرها كالمسكن ونحوه، وليس المراد قصر ذلك على بناء المساكن وشرائها فحسب، فإن غيرها من الأغراض مثلها، إلا أن الغرض من البحث هنا الاقتصار على التمويل لبناء المساكن وشرائها نظرا لأهميتها باعتبار أن المسكن من الحاجات الأساسية للإنسان في كل مكان وزمان، ومع هذا يجوز أن يقاس غيره من الحاجات على المسكن كالسيارة وماكينة زراعية أو صناعية وغيرها.
هذا والمفروض في مثل هذا البحث أن يتناول الباحث كالعادة ذكر أوجه التمويل الصالحة المناسبة وبيان التعريف عن كل وجه من جميع جوانبه، إلا أني أرى في هذا البحث أن أقتصر وأركز على بعض النقاط التي تراءى لي أنها تحتاج إلى المناقشة وبت الحكم الشرعي فيها حيث إنها لم يسبق أن اتخذ قرار بشأنها وأترك بقية الجوانب التي كثر النقاش في شأنها ووضح أمرها وأحكامها الشرعية وذلك حتى لا يتكرر النقاش خاصة إذا كانت قد سبق أن اتخذ في شأنها قرار أو قرارات من قبل في مجمعنا في دورة من دوراته.