للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا إذا انعقد البيع مطلقا من غير شرط ووقعت المواعدة بعد انعقاد البيع، وقد صرح عدة من الفقهاء بأن الحكم كذلك لو وقعت المواعدة قبل انعقاد البيع، ثم انعقد البيع مطلقا من غير شرط. قال القاضي ابن سماوة الحنفي رحمه الله: " لو شَرَطا شرْطًا فاسدًا قبل العقد، ثم عَقَدا، لم يبطل العقد، ويبطل لو تقارنا) (١) .

وقال في مسألة البيع بالوفاء:

" وكذا لو تواضَعَا الوفاء قبل البيع، ثم عقَدا بلا شرط الوفاء فالعقد جائز، ولا عبرة بالمواضعة السابقة " (٢) .

وحكاه ابن عابدين في رد المحتار، واعترض عليه، قال: " في جامع الفصولين أيضا: لو شرطا شرَطًا فاسدًا قبل العقد ثم عقدا، لم يبطل العقد. اهـ. قلت: وينبغي الفساد لو اتفقا على بناء العقد عليه كما صرجوا به في بيع الهزل كما سيأتي آخر البيوع " (٣) .

ولكن تعقبه العلامة محمد خالد الأتاسي رحمه الله تعالى بقوله:

" أقول: هذا بحث مصادم للمنقول (أي ما هو منقول في جامع الفصولين) كما علمت، وقياسه على بيع الهزل قياس مع الفراق، فإن الهزل، كما في المنار، هو أن يراد بالشيء ما لم يوضع له ولا ما يصلح له اللفظ استعارة، ونظره بيع التلجئة، وهو كما في الدر المختار، أن يظهرا عقدًا وهما لا يريدانه. وهو ليس ببيع في الحقيقة، فإذا اتفقا على بناء العقد عليه فقد اعترفا بأنهما لم يريدا إنشاء بيع أصلا، وأين هذا من مسألتنا؟ . . . وعلى كل حال، فاتباع المنقول أولى " (٤) .

ولهذا أفتى جماعة من متأخري الحنفية بأن المواعدة المنفصلة عن عقد البيع، سواء كانت قبل العقد أو بعده، لا يلتحق بأصل العقد، ولا يلزم عليه البيع بشرط، أو صفقة في صفقة، فلا مانع حينئذ من جواز العقد (٥)

وربما يقع هاهنا إشكال، وربما يقع هاهنا إشكال، وهو أن المواعدة إذا وقعت قبل العقد، فالظاهر أنها ملحوظة عند العقد لدى الفريقين ولو لم يتلفظا بها صراحة عند الإيجاب والقبول، وأنهما لا يبنيان العقد المطلق إلا على أساس ذلك الوعد السابق، فلم يبق هناك فرق بين هذا العقد المطلق الذي سبقه مواعدة من الفريقين، وبين العقد الذي شرط فيه العقد الآخر صراحة، وينبغي أن يكون الحكم دائرًا على حقيقة المعاملة دون صورته، وأن تكون المواعدة السابقة في حكم الشرط في البيع في عدم الجواز.


(١) جامع الفصولين: ٢/٢٣٧
(٢) جامع الفصولين: ٢/٢٣٧
(٣) رد المحتار: ٤/١٣٥
(٤) شرح المجلة للأتاسي: ٢/٦١.
(٥) راجع عطر الهداية، للعلامة فتح محمد اللكنوي، رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>