للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما التعريف بالموضوع: فإن التمويل العقاري يتعلق بحاجة من الحاجات الأصلية للإنسان وهي السكن التي لا يمكن للمرء أن يعيش بدونها، قال سبحانه وتعالى: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} وروي عن عائشة – رضي الله تعالى عنها – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ثلاث من السعادة، المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والمركب الهنيء)) ، وأن الحصول على المسكن الواسع المناسب أصبح اليوم في مقدمة المشاكل التي يجابهها المرء في حياته ولا سيما في المدن الكبيرة المزدحمة بالعمران، وذلك لتعقد الحياة وكثرة السكان وغلاء الأسعار، ونظرًا إلى هذا ظهرت في معظم البلاد اليوم مؤسسات تقوم بتمويل الناس لشراء المساكن أو بنائها، ولكن أكثرها إنما تعمل في إطار النظام الربوي، فتقدم إلى عملائها قروضًا وتطالبهم على ذلك بالفائدة المعينة المتفق عليها في عقد التمويل. وبما أن هذا العقد يقوم على أساس الربا وهو من أكبر المحرمات التي نهى عنها الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد، فإن لا يجدر بأي مسلم أن يدخل في عقد يقوم على هذا الأساس الفاسد، وأن البحوث الأربعة المقدمة في هذا الموضوع كلها متفقة على أن هذا الطريق الذي تتعامل به البنوك العقارية التقليدية لا يجوز شرعا، ومحرم على كل مسلم أن يتعامل بها، وحينئذ يجب على علماء المسلمين أن يقترحوا للناس طرقًا للتمويل العقاري لا تعارض أحكام الشريعة الغراء، والتي يمكن أن تتخذ كبديل للتمويل الذي يقوم على أساس الربا المحرم شرعًا، وإن الأصل في الدولة الإسلامية أن تقوم بواجبها في توفير الحاجات الأساسية لشعبها، وتهيئ لهم هذه الحاجات دون أن تطالبهم على ذلك بربح أو فائدة وبما أن السكن من الحاجات الأساسية لكل إنسان فمن حقه أن يحصل عليه في حدود إمكانياته المالية، ومن كانت إمكانياته ضيقة لا يستطيع بها أن يشتري مسكنًا أو بينيه، فعلى الدولة أن تقوم بقضاء حاجته، إما بأن تساعده من صندوق الزكاة إن كان مستحقًا لها، وإما بأن تبيع إليه المسكن على أساس التكلفة الفعلية دون أن تطالبه على ذلك بربح، وإما بأن توفر له قرضًا حسنًا لا تتقاضى عليه أية فائدة، وإن هذه الطرق الثلاثة هي الأصل في التمويل العقاري، وهي التي توافق الروح الإسلامية وطبيعة المجتمع الإسلامي الذي يقوم على أساس المواساة والمساعدة على الخير والتعاون على البر، ولكن العمل بهذه الطرق الثلاثة أو بواحدة منها إنما يمكن لدولة تكون لديها موارد ضخمة ووسائل جمة، فإن كلًّا من هذه الطرق يتطلب أموالا غزيرة ولا سيما في عصرنا هذا الذي تضاعف فيه عدد السكان وغلت فيه الأسعار، ولا شك أن إمكانيات الدولة يمكن وينبغي أن تزاد بالتقليل من المصاريف غير المنتجة، والتحرس من النفقات الباهظة التي لا يقصد منها إلا الرياء أو الترف، ولكن معظم الدول اليوم لا تستطيع أن توفر السكن لجميع سكانها بهذه الطرق ولو بتخفيض مثل هذه النفقات، فحينئذ لابد من اختيار بعض الطرق التي لا تكلف الدولة بالتبرع المحض لتوفير المساكن، ولا بتحمل النفقات التي لا تطاق، وتكون في الوقت نفسه سالمة من الربا أو المحظورات الشرعية الأخرى، وإن البدائل التي تقدم بها الباحثون – البدائل لهذا النظام الربوي ٠ تتلخص في ستة بدائل، وهي:

<<  <  ج: ص:  >  >>