لكن اعترض بعض محشى الأشباه الاستدلال هنا بالحديث المذكور بأنه لا يبعد أن يقال أن المراد منه النهى عن تصديق الكاهن ونحوه فيما يخبر به عن الحوادث والكوائن التى زعموا أن الاجتماعات والاتصالات العلوية تدل عليها وهو المسمى علم الأحكام وحكمها لا يصح وإن ادعوا الجزم بها كفروا أما مجرد الحساب مثل ظهور الهلال في اليوم الفلاني ووقوع الخسف في ليلة كذا فلا تدخل في النهي بدليل أنه يجوز أن يتعلم به ما يعلم مواقيت الصلاة والقبلة. انتهى.
فالأولي الاستدلال بالأحاديث الدالة على اعتبار الرؤية لا العلم فإنه صلى الله عليه وسلم قال:((صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)) وقال ((فإن غم عليكم فاكملوا العدة)) ولم يقل فأسألوا أهل الحساب بل قال ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) (وما ذكره) محشي الأشباه قد رايت نحوه منقولًا في أواخر فتاوى الكازروني قال: وفي الجامع الكبير في معالم التفسير في قوله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} قال الفقيه رضي الله عنه أن ما يخبر به المنجم لا يكون غيبًا فلا يناقض قوله تعالى {لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وهو على وجهين أن كان المنجم يقول أن هذه الكوائن مخلوقات الله مسخرات بأمره وهي دليل على بعض الأشياء فإنه لا يكون كفرًا وإن جعلها مختارات فاعلات بنفسها لا يكون غيبًا لأن ما يعرف بالحساب لا يكون غيبًا كما أن صبرة من المكيلات أو الموزونات أو المعدودات لو عرف مقدارها بالكيل والوزن والعدد لم يكن ذلك علمًا بالغيب. فكذلك ما يعرف بالرمل ولأنه قول بالظن وغالب الظن ليس علمًا بالغيب لأن المحققين من المنجمين مجمعون على أنه علم بغلبة الظن لأن هذه الأجرام العلوية يحتاج الحاسب إلى مساحتها ومعرفة سيرها ومطرح شعاعها وإنما يعرف ذلك بطريق التقريب لا على الحقيقة فمنهم مخطئ ومصيب.
وأما الحديث فإن ثبت فهو محمول على كهّان العرب والعرافين فإنهم كانوا مشركين يزعمون أن التأثير للفلك الأعظم وأنه الفاعل نفسه ومن قال مثل قولهم وصدقهم فيه فهو كافر وأما إذا صدق بالحساب والكواكب مع اعتقاده بأنها أمارات وأسباب فلا. هذا هو أصل المذهب فاحفظه. انتهى ملخصًا.
(رجعنا) إلى أصل المسألة فنقول الحاصل أن للمتأخرين ثلاثة أقوال نقلها الإمام الزاهدي في القنية (الأولى ما قاله القاضي عبد الجبار وصاحب جمع العلوم أنه لا بأس بالاعتماد على قول المنجمين (الثاني) ما نقله عن ابن مقاتل أنه كان يسألهم ويعتمد على قولهم إذا اتفق عليه جماعة منهم (الثالث) ما نقله عن شرح الإمام السرخسي أن الرجوع إلى قولهم عند الاشتباه بعيد لحديث ((من أتى كاهنًا)) ثم نقل أيضا عن شمس الإئمة الحلواني أن الشرط عندنا في وجوب الصوم والإفطار رؤية الهلال ولا يؤخذ فيه بقول المنجمين. ثم نقل عن مجد الإئمة الترجماني أنه اتفق أصحاب أبي حنيفة إلا النادر والشافعي أن لا اعتماد على قول المنجمين في هذا.انتهى.