ووجه ما قلنا، أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية بقوله ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا)) وقال ابن دقيق العيد الحساب لا يجوز اعتماد عليه في الصيام. انتهى.
والاحتمالات التي ذكرها السبكي بقوله ولأن الشاهد قد يشتبه عليه إلخ لا أثر لها شرعًا لإمكان وجودها في غيرها من الشهادات انتهى كلام الرملي الكبير.
(وفصل) المحقق ابن حجر بأن الذى يتجه فيما لو دل الحساب على كذب الشاهد بالرؤية أن الحساب أن اتفق أهله على أن مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر ردت الشهادة وإلا فلا.
وقال: وهذا أولى من إطلاق السبكي إلغاء الشهادة المذكورة وإطلاق غيره قبولها. انتهى ملخصًا.
(لكن) اعترضه محشية العلامة ابن القاسم بأنه إخبار عدد التواتر إنما يفيد القطع إذا كان الإخبار عن محسوس فيتوقف على حسية تلك المقدمات والكلام فيه. انتهى. يعني أن كون تلك المقدمات حسية غير مسلم بل هى عقلية أي غير مدركة بإحدى الحواس والعقلى لا يثبت بالتواتر لأنه مما يخطئ فيه الجمع الكثير كخطأ الفلاسفة في قِدم العالم وإلا لزم ثبوت قدمه لاتفاق معظمهم عليه وإن كانوا كفارًا إذ ليس من شرط التواتر إسلام المخبرين كما في شرح التحرير لابن أمير حاج. والله تعالى أعلم.
(وأما عند الحنابلة) ففي الغاية وشرحها من باب صلاة الكسوف: ولا عبرة بقول المنجمين في كسوف ولا غيره مما يخبرون به ولا يجوز عمل به لأنه من الرجم بالغيب فلا يجوز تصديقهم في شئ من المغيبات. انتهى
(فحيث) علم أنه لا اعتماد على ما يقوله علماء النجوم والحساب في إثبات الشهر لعدم اعتباره في الشرع المعلق فيه وجوب الصوم أو الفطر على الرؤية لا على القواعد الفلكية ظهر وتبين خطأ من عارض رؤية الشهر في عامنا هذا الثابتة بالبينة التي اعتبرها الشارع صلى الله عليه وسلم وبنى الأحكام عليها بمجرد الإخبار عن جماعة أنهم رأوا الهلال نهارًا واعتمد على ذلك حتى صام يوم عيده بلا مسوغ شرعى بل بمحض الاحتمال العقلي المخالف لنصوص الشرع التي اعتبرها الإئمة المجتهدون وأتباعهم المعتمدون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" (١) .
(١) رسائل ابن عابدين ج٢ ص٢٤٤-٢٤٩. رسالة تنبيه الغافل والوسنان في أحكام هلال رمضان.