خلاصة ما ذهب إليه المؤلف في شأن الحساب لإثبات الأهلة
ذهب الفقهاء الأقدمون - رضي الله عنهم - والمعاصرون - وفقنا الله وإياهم في هذه المسألة - إلى مذهبين: مذهب أخذ بالحساب مطلقا، ومذهب رفض الأخذ بالحساب مطلقا في شأن إثبات الأهلة.
والذي أراه أن كلا من هذين المذهبين - مع توقيري وتقديري لأصحابهما - إفراط وتفريط، والصواب هو الوسط بين هذا وذاك، لكن لا ضير على من اجتهد فلم يحالفه الصواب فأخطأ فله أجر واحد، وأسأله تعالى أن أكون من أصحاب الأجرين.
الصواب الذي يبدو لي، وهو ما ينبغي أن يصار إليه هو: أن الأصل في إثبات الأهلة الرؤية البصرية أو التلسكوبية من على ظهر الأرض لا في السماء ولا على شاهق جبل، لقوله عليه الصلاة والسلام:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) .
فإذا حصل المقصود بهذا الأصل فيها ونعمت كأن جزمنا بالرؤية لوقوعها بأحد الأمرين المذكورين؛ العين المجردة والتلسكوب من على ظهر الأرض وسهلها، وكانت السماء مصحية.
وإذا كانت السماء مصحية ولم ير الهلال في القطر كله كما قدمت في مبحث المطالع، لم نعمد إلى الحساب لوضوح الأمر ولا نقلد قطرا مجاورا كما مر.
وأما إذا كانت السماء غير مصحية واحتمل الأمران ولادة الهلال وعدمها ولم تحدث رؤية معتبرة، فعندها نستطيع الأخذ بقول الفلكيين وأصحاب الأرصاد الجوية ذوي الحسابات الدقيقة لأنهم على علم شبه قطعي بذلك وغلطهم نادر، والعلم يتفق مع الدين ولا يتنافى معه بحال لا سيما إذا كان الشهر الذي انمحق هلاله تسعا وعشرين، واحتمل أن يكون ما بعده الثلاثين أو الواحد من الشهر الجديد.
أي مزيد الانمحاق أو الولادة الجديدة، وأعتقد أن هذا الأخذ بقول أهل الأرصاد الجوية وأصحاب الفلك في هذه المسألة رؤية قلبية تدخل تحت الرؤية الشرعية، لأن الرؤية القلبية مجاز لا يصار إليه إلا عند تعذر الحقيقة كما قرر الأصوليون (١) ، ونحن لا نصير إلى هذه الرؤية القلبية إلا عند تعذر الرؤية البصرية واحتمال الولادة وعدمها شرعا، والله تعالى أعلم.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..
(١) انظر الوجيز في أصول استنباط الأحكام في الشريعة الإسلامية للمؤلف ج ١ ص ٨٥ وما بعدها