٢٣- في ضوء ما تقدم من أقاويل الفقهاء وأنظارهم في قبول وتسويغ واعتبار القبض الحكمي التقديري للأموال شرعًا، وترتيبِ الأحكام الشرعية للقبض الحقيقي عليه في الصور والحالات الآنفة الذكر، يمكننا تخريجُ بعضِ الفروع والمسائل المستجدّة التي يجري بها التعامل في المصارف وبيوت التمويل المعاصرة، وبناءُ أحكامها على قاعدة القبض الحُكمي للأموال، وذلك على النحو الآتي:
(أولا) يعتبر القيدُ المصرفي لمبلغٍ من المال في حساب العميل إذا أودعه في حسابه شخصٌ آخر أو جَعَله فيه بحوالةٍ مصرفيةٍ قبضًا حكميًّا من المستفيدِ صاحبِ الحسابِ، وتبرأ ذمةُ الدافع بذلك إذا كان مدينًا له به.
(ثانيًا) : إذا كان للعميل حسابٌ لدى مصرفٍ بعملةٍ ما، فأمَرَ المصرف بقيدِ مبلغٍ منه في حسابه بعملةٍ أخرى بناءً على عقد صرف ناجز تَمَّ بينه وبينَ المصرف، واستيفاءِ المبلغ الذي اشترى به من حسابه، فيعتبرُ القيدُ المصرفي المعجّلُ بالعملة المشتراةِ قبضًا حكميًّا من قِبَلِ العميل الآمر، ويعتبرُ الاقتطاعُ الناجزُ من قِبَلِ المصرف للبدلِ من حساب العميل قبضًا حكميًّا له من المصرف. ويُعَدُّ مجموعُ ذلك بمثابة التقابض بينَ البدلين في الصرف، وإنْ اتّحدَتْ يدُ القابض والمُقْبِضِ حسًّا.
(ثالثًا) : إذا اشترى شخصٌ نقدًا من مصرفٍ بنقدٍ آخر، فدفَعَ إليه البدلَ، وأخَذَ منه في المجلس شيكًا بعوضه من النقد الآخر مسحوبًا على البنك المراسل للمُصْدِرِ، فيعتبر قَبْضُهُ للشيك قبضًا حكميًّا لمضمونه، ويكونُ ذلك بمنزلة التقابض في البدلين قبل التفرق.
(رابعًا) : إذا اشترى شخصٌ نقدًا من مصرف بنقدٍ آخر، فدفَعَ إليه البدل، وأرسل المصرفُ – بناءً على طلب المشتري – برقية (تلكس) إلى بنكه المراسل يأمره فيها بدفعِ العوض من النقد الآخر لحساب المشتري أو لحساب مستفيدٍ آخر لدى مصرف ثالث، فيعتبرُ أَمْرُ المصرف الناجزُ (بالتلكس) لبنكه المراسل بأداءِ بدل الصرف حالا إقباضًا حكميًّا للمشتري، ويُنزَّلُ التعامُل بتلك الكيفية منزلةَ التقابض الناجز بين البدلين في الصرف.