ففي نطاق تعريف القبض وكيفيته يتفق أصحاب أكثر البحوث الثمانية على أن مرجع ذلك إلى العرف في حين أن بعض البحوث لم تشر إلى ذلك، وإنما نظرت إلى تقسيمات الفقهاء مباشرة مع أنها في الواقع تعود إلى أعرافهم السائدة، مثل بحث أستاذنا الفاضل الشيخ محمد الصديق الضرير، حيث جعل القبض في المكيل والموزون، ونحوهما باستيفاء قدره، وفي الجزاف بتحويله، وفيما عدا ذلك يرجع إلى العرف. وأما الأستاذ الدكتور نزيه حماد والدكتور سعود بن مسعد، فقد سارا في بحثيهما على تقسيم القبض إلى قسمين قبض حقيقي، أي تام وقبض حكمي. غير أن الأستاذ الدكتور نزيه فصل في بحثه صور كل واحد من النوعين، ولا سيما صور القبض الحكمي، تفصيلا طيبا. فذكر ضمن القبض الحكمي عدة صور – حقيقية أحب أن الخَّص كل بحث حتى لا أكون ملخَِّصًا لبحثي فقط – فذكر ضمن القبض الحكمي عدة صور، منها: التخلية في المنقولات عند الحنفية، ومنها: القبض في الذمة بالنسبة للمدين والدائن، ومنها قيام قبض سابق لعين من الأعيان قيام قبض لاحق، ومنها: تنزيل إتلاف العين منزلة قبضها. ثم ألحق ببحثه أخيرا عدة تطبيقات فقهية معاصرة، منها: اعتبار القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل إذا أودعه في حسابه شخص آخر، ومنها صور أُخَر، وهي معروضة وموجودة أمام حضراتكم.
أما الأستاذ الجليل الدكتور محمد الصديق فقد كتب في ثلاثة موضوعات: أولا: النصوص الواردة في الموضوع , ثانيا: آراء الفقهاء في حكم بيع الإِنسان ما اشتراه قبل قبضه، ثالثا: في البيع قبل القبض في الطعام، ورجح فضيلة الدكتور أن النهي هنا للتحريم، والمسألة هنا، وإن كانت خلافية، في قضية النهي، هل النهي للتحريم؟ تحتاج إلى بحث وتمحيص، لكنه لا يخفى على فضيلته أن الخلاف حقٌّ أو أن الخلاف هنا هو هل النهي يقتضي الفساد أم لا؟ وليست القضية قضية التحريم أو الكراهة. ثم رجح فضيلته أن بيع الطعام قبل قبضه غير صحيح، وكذلك قاس على الطعام غير الطعام بل بني تعميمه في الطعام وغيره على حديث حكيم، قول النبي صلى الله عليه وسلم:((فلا تبعه حتى تقبضه)) ، لكنه في نظري أن هذا الحديث لا ينهض حجة لضعف فيه كما هو مبين في بحثي، وقد ذكر عدة صور مستحدثة للقبض ولا سيما في بيع المرابحة للآمر بالشراء بالنسبة للقبض.