للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بيَّنت المذكرة التفسيرية السند القانوني والأساسي الذي أخذت هذه المادة حكمها منه بقولها: (وتواجه المادة (٤٩) مسألة تحديد زمان ومكان انعقاد العقد عندما يتم إبرامه بالمراسلة) ، وهي مسألة تباين وجه الحكم فيها تباينًا كبيرًا، وفي تقنيات الدول المختلفة، فمن هذه التقنيات ما يعتد في ذلك بصدور القبول، ومنها ما يعتد بوصول القبول إلى الموجب، وقد اعتمد القانون المصري هذا الرأي الأخير في المادة (٩٧) وتبعه فيه أغلب القوانين العربية التي استوحته، كالقانون الليبي في المادة (٩٧) منه والقانون العراقي في المادة (٨٧) منه، وبيَّن لماذا أخذ المشرع بمبدأ العلم بالقبول، فذكر أنه يتمشى أكثر من غيره فقضى بأن التعاقد بالمراسلة يعتبر أنه قد تم في الزمان والمكان اللذين يتصل فيهما القبول بعلم الموجب ما لم يتفقا على غير ذلك أو يقضي القانون أو العرف بخلافه (١) .

ونص المادة (٩٧) من القانون المصري (٢) :

(يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك.

١- ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان وفي الزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول.

وجاء في الأخذ بمذهب العلم بأنه أقرب المذاهب إلى رعاية مصلحة الموجب، ذلك أن الموجب هو الذي يبتدئ التعاقد فهو الذي يحدد مضمونه ويعين شروطه، فمن الطبيعي والحال هذه، أن يتولى تحديد زمان التعاقد ومكانه، ومن العدل إذا لم يفعل أن تكون الإرادة المفروضة مطابقة لمصلحته عند عدم الاتفاق على ما يخالف ذلك، فمذهب العلم هو الذي يستقيم دون غيره مع المبدأ القاضي بأن التعبير عن الإرادة لا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى من وُجِّه إليه على نحو يتوفر معه إمكان العلم بمضمونه، ومؤدَّى ذلك أن القبول بوصفه تعبيرًا عن الإرادة لا يصح نهائيًّا إلا في الوقت الذي يستطيع فيه الموجب أن يعلم به، ولا يعتبر التعاقد تامًّا إلا في هذا الوقت) (٣) .

وخرج عن تلك القاعدة في المادة (٩٨) : حيث وردت (٤) :

(إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب لم يكن ينتظر تصريحًا بالقبول، فإن العقد يعتبر قد تم إذا لم يرفض الإيجاب في وقت مناسب.

٢- ويعتبر السكوت عن الرد قبولًا إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل، أو إذا تمحض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه) .

وقد بيَّن السنهوري ما يترتب على تحديد زمان العقد ومكانه بقوله:

(ومتى وضعنا المسألة على النحو الذي قدمناه تبين في الحال ماذا يترتب على هذا الوضع. فما دام أن هناك فترة من الزمن تفصل ما بين صدور القبول والعلم به وجب التساؤل متى يتم العقد؟ أو وقت صدور القبول أم وقت العلم به؟ فإذا تعين الوقت الذي يتم فيه العقد تعين أيضًا المكان الذي يتم فيه، يتم في المكان الذي يوجد فيه الموجب إذا قلنا أن العقد لا يتم إلا إذا علم الموجب بالقبول، ويتم في المكان الذي يوجد فيه من صدر منه القبول، إذا قلنا أن العقد يتم بمجرد صدور القبول، فزمان العقد هو الذي يحدد مكانه) (٥) ، إلا فيما يتعلق بالتعاقد بالهاتف على ما سيأتي في محله.


(١) المذكرة الإيضاحية للقانون المدني: ص٦٥، تكوين الروابط العقدية فيما بين الغائبين، للدكتور صلاح الدين زكي: ص٢٠٧، وما بعدها.
(٢) المذكرة الإيضاحية للقانون المدني: ص٦٥، تكوين الروابط العقدية فيما بين الغائبين، للدكتور صلاح الدين زكي: ص٢٠٧، وما بعدها.
(٣) القانون المدني ومجموعة الأعمال التحضيرية ٢/٥٣، ٥٤.
(٤) المذكرة الإيضاحية للقانون المدني: ص٦٥، تكوين الروابط العقدية فيما بين الغائبين، للدكتور صلاح الدين زكي: ص٢٠٧، وما بعدها.
(٥) الوسيط: ١/٢٣٨، النظرية العامة للالتزام وفقًا للقانون الكويتي للدكتور عبد الحي حجازي: ١/٦٥٠، ٦٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>