للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: لم يدفع الرازي هذه الحجة العجيبة مع أن مدفعها واضح جليّ فالقول بأن الزوج لا قدرة له على التصرف قبل النكاح تحصيل للحاصل، فقبل النكاح لا وجود لعقدة النكاح وإنما يتصرف في الشيء أو يقدر على التصرف فيه بعد وجوده، وما من أحد يجادل في أن التصرف في العقدة بعد وجودها بيد الزوج وثبوت العفو يترتب على ثبوت التصرف، في حين أن الولي كما أوضحنا أكثر من مرة لا يملك العقد ولا العقدة، وغاية صلاحياته أن يتولى أصالةً أو بالنيابة إبرام العقد ثم تنتهي صلاحيته، فإذا حصل الطلاق مثلا لم ينله منه شيء إيجابًا ولا سلبًا فكيف يقال أن بيده عقدة النكاح لمجرد اختصاصه بصلاحية محدودة مؤقتة؟ ‍

ثم قال الرازي:

ثم إن القائلين بهذا القول أجابوا عن دلائل من قال: المراد هو الزوج.

أما الحجة الأولى، فإن الفعل قد يضاف إلى الفاعل تارة عند المباشرة وأخرى عند السبب يقال: بني الأمير دارًا وضرب دينارًا، وظاهر أن النساء إنما يرجعن في مهماتهن وفي معرفة مصالحهن إلى أقوال الأولياء، والظاهر أنّ كل ما يتعلق بأمر التزويج فإن المرأة لا تخوض فيه بل تفوضه بالكلية إلى رأي الولي، وعلى هذا التقدير يكون حصول العفو باختيار الولي وسعيه، فلهذا السبب أضيف العفو إلى الأولياء.

قلت: لو سلمنا المقدمة الأولى من هذه الحجة وهي تفويض المرأة مهماتها لا سيما ما يتعلق بالزواج لوليها وهذا ما لم يعد واقعًا الآن، والتشريع الإسلامي لكل زمان ومكان، فإننا لا نسلم المقدمة الثانية، وهي أن حصول العفو يكون باختيار الولي وسعيه، ذلك بأن تسليم أمر الزواج لا يعنى تسليم أمر الطلاق، وما يحدثه الطلاق من انفعالات لا يحدثه في الولي ولكن في المرأة، وهي في هذه الحال إنما تتصرف طبقًا لتلك الانفعالات فكيف تسلم أمرها للولي، ثم إن تسليم ما يتصل بالزواج لو حدث لا يعني بالضرورة تسليم ما يترتب عنه، ولو كان ذلك كذلك، لكان على المرأة حين تختلف مع زوجها أن لا تصير على صلح وتراض معه دون استشارة وليها، بل كان عليها أن تستشير الولي كلما وقع بينها وبين زوجها خصام وهذا ما لم يقل به أحد، بل إن تحكيم الحكمين من أهله ومن أهلها هو المصير الأخير الذي شرعه حين يتعذر أن يصلا بمفردهما إلى الاتفاق وهو مصير أريد به محاولة تجنب الطلاق، وبهذا سقطت هذه الحجة.

ثم قال الرازي:

وأما الحجة الثانية: وهي قولهم: (الذي بيد الولي عقد النكاح لا عقدة النكاح) ، قلنا: - وهنا أقحم الرازي نفسه وهو شافعي- العقدة يراد بها العقد، قال تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح) ، وإذا سلمنا أن العقدة هي المعقودة، لكن تلك المعقودة إنما حصلت وتكونت بواسطة العقد، وكان عقد النكاح في يد الولي ابتداء فكانت عقدة النكاح في يد الولي أيضًا بواسطة كونها من نتائج العقد وآثاره.

قلت: ونحن نسلم لكم بل ونحن معكم أن العقدة قد يراد بها العقد وقد يراد بها نتيجة العقد، لكنا لا نسلم لكم أن عقد النكاح بيد الولي لسببين:

الأول: هو أن الولي لو قبل النكاح ورفضته المرأة لم يتم العقد حتى وإن كانت بكرًا راشدة، أما إن كانت غير راشدة ففي فسخه عند بلوغها مقال. ونحن نميل إلى فسخه.

<<  <  ج: ص:  >  >>