للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ساق كلام ابن معين فيه باختلاف الروايات عنه، ثم قال:

وقال ابن عمار الموصلي: ثقة. وقال يعقوب بن شيبة: ليس بذاك الساقط وإلى الضعف ماهو. ثم ساق كلام أبي زرعة وأبي حاتم وابن عدي.

ثم قال: ذكره ابن حبان في (الثقات) . وقال ابن سعيد: توفي في خلافة أبي جعفر وكان كثير الحديث، وقال خليفة: توفي في آخر خلافة أبي جعفر وكانت وفاة أبي جعفر سنة ١٥٨.

ثم قال: وجزم ابن حبان بوفاته فيها. وقال أبو جعفر الطبري: وكثير بن زيد عندهم ممن لا يحتج بمثله.

قلت: لعل صاحب (المنار) لم يختلط عليه أمر الرجلين تقليدًا للمناوي فحسب بل أيضًا لابن حزم، فقد ذكر ابن حجر –المرجع السابق- أنه خلط بينهما أيضًا وتهجم عليهما وجرح الحديث نتيجة لهذا الخلط، وأحسب مردّ هذا الخلط إلى أن الجد الثالث لكثير بن عبد الله اسمه زيد، وابن حزم كثيرًا ما يتسرع، أما المناوي فلا يمكن اعتماده في الحديث إنما هو ناقل وهو إلى الفقه أقرب.

تعاضد الحديثين وربما أيضًا على ترجيحه توثيق كثير بن زيد، ولعل في نفسه –كما في نفسي- شيء من تجريحهم الشديد لكثير بن عبد الله، ويخيل إلى أن له موقفًا من قضية خلق القرآن ولعل ذلك ما جعل أحمد يحمل عليه، وجعل البخاري يشير إلى حمله عليه كما لو كان غير راضٍ عنه. والله أعلم. .

وقد يعارض على هذا بحديث عائشة في قصة بريرة وهو ((ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، فقضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق)) (١) . رواه الشيخان وغيرهما.

ويجاب بأن المراد بالشرط هنا حاصل المصدر، أعني المشروط لا المصدر الذي هو الاشتراط ولذلك قال: ((ولو كان مائة شرط)) وآذن باشتراط الولاء لمكاتبي بريرة وهو موضع الإنكار كما يأتي قريبًا في بيان سبب هذا الحديث.

والمراد بما ليس في كتاب الله ما خالفه كما يؤخذ من سبب الحديث. وإلا كان جميع المسلمين مخالفين لهذا الحديث حتى الظاهرية لأنهم يجيزون في العقود شروطًا لا ذكر لها في كتاب الله تعالى، وليس في كتاب الله تعالى شروط لأنواع العقود فيكتفي بها ويقتصر عليها، وإنما الواجب أن لا يشترط أحد شرطًا يحل ما حرمه كتاب الله أو يحرم ما أحله، فذلك هو الذي يصدق عليه أنه ليس في كتاب الله إذ في كتاب الله ما يخالفه، وأمَّا اشتراط ما أباحه كتاب الله بالنص أو الاقتضاء فهو في كتاب الله تعالى.


(١) الحديث متفق عليه، ورواه البخاري أطرافًا في أكثر من موضع، وهذا لفظه بسنده في كتاب (الشروط) من [صحيحه: ٣/١٧٧] : حدثنا إسماعيل، حدثنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قال: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت: إن أحبوا أن أعدّها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خذيها فاشترطي لهم فإنما الولاء لمن أعتق، ففعلت عائشة ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط فقضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق.

<<  <  ج: ص:  >  >>