وقد أجرى الله العادة في خلق القمر أنه يظهر لأبصار الناس في ثمانية وعشرين يوما من الشهر لحلوله في ثمانية وعشرين منزلا، ثم يختفي عن أبصار الناس يومين أن كان تاما ثلاثين أو يوما واحدا أن كان ناقصا، أي تسعة وعشرين.
فهذا الاختفاء والاستسرار في اليومين أو اليوم لا بد منه كما هو متفق عليه عند أهل العلم وأهل الحساب والجداول والمفسرين وعلماء اللغة وبعضهم قال بجواز اختفائه ثلاثة أيام.
ويمسى هذا الاختفاء للهلال: السرار والاستسرار واجتماع النيرين والمحاق وغير ذلك من التسمية الجارية على ألسنة العرب، فمتى رأوه صباحا طالعا نيرا، عرفوا تمام المعرفة انه لن يهل مساء من ذلك اليوم أبدا، بمقتضى العادة التي أجراها الله فيه.
وما يدعيه بعض أهل العلم من إخواننا في زماننا من القول بجوازه وعدم امتناعه كما سمعنا من بعضهم ويجادلون في إثباته فهو قول لم يستند إلى إثبات لا بطريقة المشاهدة ولا التجربة، ويترجح أن هذا القول إنما خرج منهم مخرج الظن والتخمين بدون علم ولا يقين وبدون مشاهدة ولا تجربة، وذلك لا يغني عن الحق شيئا.
وكأنهم في نظرهم ومناظرتهم بنوا أمرهم على الشهادة المزيفة برؤية الهلال حيث يراه الناس صباحا، ثم يشهد بعضهم برؤيته مسا، فبنوا أمرهم ورأيهم على هذه الشهادة الكاذبة وجعلوها لهم بمثابة القاعدة وهي بلا شك من باب قياس الفاسد على الفاسد، وسنورد من الأدلة ما يوضح امتناع ذلك وعدم إمكانه بمقتضى سنة الله في خلقه.