وبصفة عامة لم تلعب السوق دورها لا في توظيف الادخار لعمليات الاستثمار ولا كآلية فعالة للتسعير المحكم للأوراق المالية.
رابعا: ومما انجر عن الاعتبارات السابقة أن المؤسسات الاقتصادية التونسية تركز تمويلها على القروض البنكية وبذلك تقلصت لديها المشاركة سواء من المساهمة الذاتية أو التي تأتي عن طريق السوق المالية، وأصبحت نسبة مديونيتها عالية جدا قد تجعلها عرضة للتقلبات الاقتصادية.
وتدل بعض الدراسات على أن المؤسسات التونسية تعتمد في جميع مواردها على الإفراط في المديونية القصيرة وخاصة منها لدى البنوك مما يجعلها هشة وعرضة للتقلبات المالية والاقتصادية وهذا ما حصل بالفعل منذ سنوات أي منذ الأزمة الاقتصادية الأخيرة وإعلان البرنامج الإصلاحي. فهذه المؤسسات يصعب عليها عادة مواجهة التوجهات الجديدة للاقتصاد من نهوض بالصادرات وقدرة أوفر على مزاحمة الواردات في السوق المحلية.
٢-٢ شرح الأسباب:
بما أنه ليس لنا المجال هنا للتعرض وبالتفصيل للأسباب التي أدت إلى التهميش النسبي للسوق المالية وعدم قيامها بالدور الموكول لها في التنمية فسنقتصر على ذكر أهمها وبذلك يمكن أن نتبين تعقد مشكلة السوق المالية إذ تتداخل عديد العوامل في إفرازها.
أولا- العوامل الاقتصادية العامة:
تتمثل الأسباب التي عرقلت تطور السوق المالية في:
- احتكار الدولة لجزء كبير من الإمكانات المالية للبلاد سواء عن طريق الضرائب أو البنوك وذلك بواسطة رقاع التجهيز وغيرها من الوسائل لتمويل مشاريعها ومشاريع المؤسسات العمومية التي قامت بتنفيذ الإنجازات الكبرى في البلاد.
- عدم بروز شركات خاصة لها الحجم والخصائص التي تمكنها من الحصول على التمويل عن طريق السوق المالية. فقد طغت على المؤسسات التونسية الخاصة سمة الإغلاق بين المساهمين فيها وعدم قبولها للمشاركة من طرف العموم. زيادة على عقلية الانكماش يرجع هذا الطابع للمؤسسات لعدة اعتبارات موضوعية تخص الجباية وسوق الشغل والتجارة الخارجية ... إلخ. فمن ناحية الجباية مثلا بينما يقع خصم محصول الفائدة الذي تدفعه المؤسسة للبنوك من الأرباح التي تطبق عليها الجباية لا يمكن ذلك بالنسبة لمردود الأموال الذاتية، مما يدفع بالمؤسسات للاقتراض.
- السياسة المالية في الميدان البنكي التي تركزت على اختيار التمويل لدى البنوك بوضع أسعار للفائدة ضعيفة ودون مستوى المردودية الجمليّة للاستثمارات زيادة على الحوافز التي تأتي لدى الاقتراض حسب القطاعات ونوعية الاستثمار.