إن موضوع الأسواق المالية في نطاق الاقتصادي الإسلامي موضوع واسع ومترامي الأطراف، فهو يقتضي – بادئ ذي بدء – البحث في أسواق المال المعاصرة التي شهدت نموا مذهلا في غضون السنوات العشر الأخيرة نتيجة لتحريرها من القيود الحكومية، وقيام المؤسسات المالية الدولية التي تلعب دورا حيويا كوسطاء في تلك الأسواق بتعميم خدماتها على الصعيد العالمي، فضلا عن التقدم الهائل في الاتصالات وتقنيات نقل المعلومات. ولعل استعراض عمل تلك الأسواق بإيجاز يوفر أساسا لتحليلها من وجهة نظر الاقتصاد الإسلامي.
بالرغم من الحرية القصوى الممنوحة للسوق من السلطات النقدية إلا أنه لا يمكن إغفال الحاجة الماسة لوجود أجهزة حكومية إشرافية تراقب وتنظم عمل تلك الأسواق، مثالا لذلك دور البنك المركزي في الإشراف على شئون الوسطاء (المصارف وبيوت الأوراق المالية، والسماسرة... إلخ) ، ونتناول بالدراسة أيضا دور البنوك المركزية فيما يتعلق بالمؤسسات المالية الإسلامية، حتى نستكشف مدى مساهمتها في تقدم تلك المؤسسات بصورة منظمة ومنسقة.
ولسوف نحاول أيضا وصف عمليات المؤسسات المالية الإسلامية في الأسواق المعاصرة بغية تقويم الإمكانيات المتاحة لها للاستفادة من البنية الأساسية الحالية للأسواق التقليدية. ونعرض في هذا الصدد بعض المقترحات الرامية إلى تطوير عدد من الأدوات أو المنتجات القابلة للتسويق والتي تتمشى مع أحكام الشريعة الإسلامية من جهة، والتي يمكن من جهة أخرى توفيرها في الأسواق المعاصرة شأنها شأن الأدوات الأخرى التي تتنافس فيما بينها على أساس مزايا الأداء لكل منها.
وقد تناولنا أيضا في هذه الدراسة الحاجة إلى أن تقييم المؤسسات الإسلامية سوقا فيما بين البنوك للوفاء بمتطلبات السيولة العارضة أو لغير ذلك من الأسباب، والسماح لتلك المؤسسات بتخصيص بعض الأموال الموضوعة في عهدتها في شكل استثمارات طويلة الأجل نسبيا. وفي هذه الحالة أيضا ذكرنا بعض الأسباب التي تهدف إلى تأكيد أهمية هذه المسألة.