للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدمة

شهد العالم الإسلامي في العقد الأخير من القرن الرابع عشر الهجري أهم حدث في تاريخه المعاصر ألا وهو ظهور البنوك الإسلامية. وبذلك تحولت الآمال العريضة لتنظيم وضبط حركة المجتمع وفقا لقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية من مجرد أطروحات نظرية إلى بداية واقع ملموس تركزت فيه أولى اللبنات لبناء صرح النظام المالي الإسلامي.

وقد استهدف العمل المصرفي الإسلامي في نشأته أساسا إلغاء مختلف الأشكال الربوية في المعاملات المالية وإرساء وسائل بديلة مشروعة تتفق مع ظروف العصر، وشاءت رعاية الرحمن أن يتحقق لهذه التجربة المباركة نجاح باهر وانتشار سريع في مختلف البلاد الإسلامية وغير الإسلامية.

وتزامن بروز هذا المولود مع إحدى الفترات الدقيقة التي كان يعيشها النظام المالي الغربي حيث إن هذا الأخير بالرغم من بنائه المتكامل وتمتعه بشيوع مؤسسات وأجهزة وأدوات مالية تخدم أهدافه وبالرغم كذلك من تجربته العريقة، بل وهيمنته المطلقة على أسواق المال العالمية، فقد شهد في هذه الفترة هيكلية عميقة نتيجة تفاعله مع تحديات الواقع. كما اتسمت نفس الفترة بضعف أدوات وأجهزة الأسواق المالية العربية عموما جعلها أسواقا ضيقة وغير عميقة، وقد استأثرت في السنوات الأخيرة بقدر كبير من اهتمامات الباحثين وانعقد في شأنها العديد من الندوات والمؤتمرات بهدف دعمها وتطويرها.

وفي هذا المناخ المالي الدولي المتحرك، كان لابد للبنوك الإسلامية في انطلاقتها أن تفرض نفسها وأن تثبت للجميع إمكانية قيام نظام مالي لا يتعامل بالفائدة المصرفية. إلا أن وجود البنوك الإسلامية لا يمثل في حد ذاته نهاية المبتغي إذ إن النشاط المالي الإسلامي كما يقول الشيخ صالح عبد الله كامل: (لا يبدأ بتحريم الربا ولا ينتهي عنده) (١) ، وقيام البنوك الإسلامية ليس إلا خطوة أولى في تركيز أركان النظام المالي الإسلامي المعاصر. ولعل الحاجة إلى سوق إسلامي للأوراق المالية بكامل أجهزته ومختلف أدواته يمثل أولى التحديات المطروحة على البنوك الإسلامية.

ومن هذا المنطلق أنشئت شركتا التوفيق للصناديق الاستثمارية والأمين للأوراق المالية من قبل مجموعة البركة لكي تساهما في تقديم أدوات استثمارية تقوم بدور الأدوات المستعملة في سوق رأس المال، وذلك مع مراعاة الضوابط التي تخضع لها المعاملات الإسلامية من حيث اجتناب الربا والمحرمات وتطبيق القواعد الفقهية العامة في البيوع والعقود.

ونحاول في هذه الورقة التعرض إلى واقع البورصات الخليجية قبل الخوض في مبررات قيام سوق الأوراق المالية الإسلامية وإجلاء بعض الأضواء على الأدوات الاستثمارية المستحدثة لهذا الغرض لننتهي إلى بيان الدور المستقبلي لهذه التجارب الإسلامية وعلاقتها بالأسواق المالية في دول الخليج.

*

**


(١) ندوة (البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وآفاق تعاونهما مع البنوك التقليدية) المنعقدة بتونس.

<<  <  ج: ص:  >  >>