إننا نلحظ أن تفرق المسلمين قد أدى إلى تورع العلماء عن مواجهة ما جد من مشكلات الحياة برأي يجتمع عليه علماء المسلمين. واليوم ترون - أيها الإخوة – كثرة الأحداث وكثرة السؤال، وقد تراكمت المشكلات، ورغم وفرة العلماء والفقهاء المجتهدين في كل زمان ومكان إلا أن الخطب جلل والمسئولية أمام الله أكبر من اجتهاد إنسان فرد فيما يجد من الحوادث حتى يدعم هذا الاجتهاد قبول العلماء بعد استقصاء البحث والنظر في الفقه القديم والجديد. وفي هذا الصدد فإن الدعوة لإنشاء مجمع عالمي للفقه الإسلامي تشكل ضرورة حتمية في هذه المرحلة من مراحل تطور الأمة الإسلامية حيث تجد فيها الإجابة الإسلامية الأصيلة لكل سؤال تطرحه أمامها تحديات الحياة المعاصرة من أجل إسعاد البشرية عامة والمسلمين خاصة وذلك يقتضي حشد جهود فقهاء وعلماء وحكماء ومفكري العالم الإسلامي للإجابة على الأسئلة التي تطرحها تحديات هذا العصر من واقع شريعتنا السمحة لأنه لا فلاح لنا إلا بالتمسك بها والتزام حكمها {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} . [المائدة: ٥٠]
إن بيان حكم الله ووجوب الخضوع له حكاماً ومحكومين سوف يؤدي إلى حقن الدماء وحفظ الأموال وصيانة الأعراض، كما أن بيان حكم الله سوف يجعل المسلمين دعاة رحمة وأمن ولسوف يوجه جهودهم ضد عدوهم في وقت تتداعي فيه الأمم على حضارتنا وتراثنا وأمتنا.
إن روح التعصب أبعد شيء عن الإسلام، إذ أن التعصب من مثارات البغضاء، ومن أسباب التفرق والتمزق الفكري، وقد حرم الله علينا ما يثير البغضاء والعداوة بين المسلمين. والحقيقة أن التعصب لا معنى له في الإسلام. لأن المسلم إنما يلزم بحكم الله، والعبرة في استظهار الحكم بدليله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم طبقاً لضوابط الاستنباط وأصوله الشرعية التي يعرفها العلماء والفقهاء.
ولقد التزمت المملكة العربية السعودية هذه الروح في تنظيمها القضائي اقتداء بالسلف الصالح من أئمة المسلمين، وصدرت بذلك تعليمات محددة من جلالة المغفور له الملك عبد العزيز تقضي بأن المسائل الخلافية بين المذاهب الإسلامية المعتمدة يوحد الحكم فيها بقرار يصدر من هيئة علمية وفقاً لأقوى المذاهب دليلاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإننا – أيها الإخوة الكرام - لمطالبون جميعاً بالعمل على توحيد الأحكام في البلاد الإسلامية في كل شئون الحياة على مقتضى أحكام الشريعة الإسلامية، فذلك هو السبيل الأوحد لتحقيق الوحدة الإسلامية بين الشعوب المسلمة.
وإننا لنعلم أن المهمة شاقة وأن الأمانة ثقيلة ولكن الأمل فيكم كبير.
فسيروا على بركة الله، واحملوا أمانتكم. واستمدوا العون من الله.
وإنني أحمد الله الذي أسعدني بأن أشهد اجتماعكم في هذا اليوم الذي تحقق فيه أمنية غالية طالما تمنيناها ويتمناها كل مسلم صادق الإيمان.
وفي الختام أتوجه إلى الله العلي القدير ومن جوار بيته العتيق بالدعاء أن يرزق الجميع الفقه في دينه والعمل بشريعته وأن يكون مستقبل أمتنا الإسلامية خيراً من حاضرها، وأن يلهمنا سبيل الصواب وطريق الرشاد وألا يزيغ قلوبنا بعد إذا هدانا إنه سميع مجيب. والله الهادي إلى سواء السبيل.