للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: هل لهذه الأجنة حرمة باعتبار كونها إنساناً مآلاً؟ فهل يجوز إتلافها وقتلها؟ وهل تجوز الاستفادة مها قبل ذلك أم أن اللازم هو انتظار زرعها في رحم الأم حتى تحين الفرصة المناسبة؟

(١١) لم يتعرض علماؤنا لحكم القتل أو الإتلاف لهذه اللقائح أو الأجنة لأنها من القضايا الحادثة ولكنهم تعرضوا لما هو مثلها من الأجنة وهي الأجنة التي تتكون في رحم الأم في المراحل الأولى. فقد بين فقهاؤنا حكم الاعتداء عليها، واختلفوا في ذلك على ثلاثة مذاهب:

الأول: أن الجنين إذا أسقط بضرب ونحوه مضغة كان أو علقة أو ما يعلم أنه ولد ففيه الغرة ... والغرة باتفاق الفقهاء (١) هي الواجب في الجناية على الجنين الذي ترتب عليها انفصال الجنين عن أمه ميتاً عمداً كان أو خطأ، ومقدارها نصف عشر الدية الكاملة، مما ليس هنا مجال تفصيله.

الثاني: أن الجنين إذا أسقط لا شيء فيه حتى يتبين من خلقه شيء.

الثالث: أن الجنين إذا أسقط لا شيء فيه حتى تنفخ فيه الروح، وذلك إذا بلغ عمره (١٢٠ يوماً) ، وقد ذهب إلى المذهب الأول جمهور المالكية، وذهب إلى المذهب الثاني الشافعية والحنبلية وجمهور الحنفية، وذهب إلى المذهب الثالث ابن رشد من المالكية وبعض الحنفية (٢) وفيما يلي ذكر لبعض النصوص التي توضح هذه المذاهب:

(أ) قال ابن قدامة في المغني: (فإن أسقطت- أي الأم- ما ليس فيه صورة آدمي فلا شيء فيه لأنا لا نعلم أنه جنين، وإن ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة، وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمي لو بقي تصور ففيه وجهان: أحدهما: لا شيء فيه لأنه لم يتصور، فلم يجب فيه كالعلقة، ولأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك، والثاني فيه غرة لأنه ابتداء خلق آدمي فأشبه ما لو تصور ... وهذا يبطل بالنطفة والعلقة) (٣)

(ب) وقد أوضح القرطبي المذهبين الأول والثاني فقال: (النطفة ليست بشيء يقيناً، ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة إذا لم تجتمع في الرحم، فهي كما لو كانت في صلب الرجل ... فإذا طرحته علقة فقد تحققنا أن النطفة قد استقرت واجتمعت واستحالت إلى أول أحوال ما يتحقق به أنه ولد، وعلى هذا فيكون وضع العلقة فما فوقها من المضغة وضع حمل تبرأ به الرحم وتنقضي به العدة، وهذا مذهب مالك رضي الله عنه وأصحابه، وقال الشافعي: لا اعتبار بإسقاط العلقة وإنما الاعتبار بظهور الصورة والتخطيط، فإن خفي التخطيط وكان لحما، فقولان بالنقل والتخريج. والمنصوص أنه تنقضي به العدة) (٤)


(١) الموسوعة الفقهية: ٢/ ٥٩.
(٢) القرطبي، التفسير: ١٢/ ١٠؛ ابن قد امة، المغني: المهذب: ١٧/ ٣٨٣؛ ابن عابدين، الحاشية: ٦/ ٥٩.
(٣) ابن قدامة، المغني: ٨/ ٤٠٦.
(٤) القرطبي، التفسير: ١٢/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>