ورغم هذا الخلاف الجذري بين الفريقين، فقد ظلت بينهما مساحة مشتركة وإن كانت كالشريط الضيق، فإن عملية الإجهاض العمد إن كان القصد منها انقاذ حياة الأم من خطر يتهددها إن استمر الحمل، فهو تجهيض مباح ومشروع ولا بأس إذن ولا ضير من استعمال أنسجة هذا الجنين في العلاج أو في البحث العلمي، وفي كافة الأحوال فهناك إجماع على وجوب معاملة اللحم البشري بالاحترام اللائق به، فلا يهان ولا يلقى في القمامة، وإنما يستر ويوارى كما يليق بالإنسان، ونرى أنه إن كان بلغ مرحلة نفخ الروح زدنا على ذلك غسله وكفنه والصلاة عليه.
على أن واقع الحال أقسى فيما يبدو من كل من هذين الفريقين على بعد الشقة فيما بينهما، فما زالت مسيرة عالمنا المعاصر تتجه إلى اعتماد المنافع ولو فرطت في القيم، وعندما يكون القصد إبراء جسم الإنسان من أمراضه وعلله، فإن التعلل بحرمة الإنسان حياً وميتاً يبدو أمراً عاطفياً بعيداً عن الواقع، وجنوحاً إلى معتقدات بالية آن أن تزول، مع أن الاستقراء يعلمنا أن المجتمع الإنساني لو تشبع بفكرة حرمة الإنسان لكان من آثار ذلك تقليص الجريمة والعزوف عن العدوان الفردي أو الجماعي سواء في المجال الاجتماعي أو السياسي أو العسكري، ولكن من سمات هذا العصر أن النتائج السريعة والمحسوسة أكثر جاذبية من النتائج التي لا تؤتي ثمارها إلا على المدى الطويل وبالتدريج الذي لا يصاحبه بريق، إن عصرنا يتميز بأن الإنسان برع في التكتيك وضل في الاستراتيجية، ونعود إلى موضوعنا وهو استعمال الأجنة في البحث والعلاج فنقول برغم الضوابط والتحفظات فإن أرض الواقع شهدت عجباً، فهناك بالفعل تجارة واسعة وخفية في الأجنة المجهضة تقوم بها جهات محترمة، وهي تجارة محلية ودولية، وكانت إزاحة الستار عنها بالصدفة عندما لاحظ قسيس على أطراف الأرض التي تقوم عليها كنيسته صندوقين كبيرين ظل أياماً، ويظهر أنهما وضعا هنالك بالخطأ وأنهما كانا يخصان معهداً للأبحاث مجاوراً له وفتحهما ليجد فيهما عدة مئات من الأجنة البشرية المحنطة، وعلم بالأمر أحد رجال الصحف فالتقط طرف الخيط وتحرى الأمر ليعلم أن هناك اتفاقاً تجاريا مع متعهد في إحدى دول جنوب شرق آسيا ليشحن لهم دفعات من الأجنة لزوم الأبحاث، واتسعت تحرياته فكان من طريف ما وجده أن مستشفيات محترمة في أمريكا تعتمد في مخصصات الشاي والحلوى للأطباء أو ربما دعوة أستاذ زائر لإلقاء محاضرة على الريع الآتي من بين ما يجهض فيها من أجنة.