فإذا كان الشرع يعتبر الجنين آدمياً في جميع مراحله فإن ذلك التصرف يكون في أغلب الأحيان قتلاً له أو إيذاءً له في جسده بما دون القتل. وإيذاء الآدمي بالقتل أو بما هو أقل منه كبيرة من الكبائر، ولا مسوغ له أبداً؛ إذ القتل وإيقاع الأذى على جسد الآدمي لا يكون أي منهما مشروعاً في الإسلام إلا أن يكون عقوبة على أفعال حددها الشرع، ولا يتصور وقوع ذلك من الجنين، فلا يسوغ قتله أو إيذاءه في جسده أية منفعة يمكن تحقيقها من جراء ذلك، وإن كانت إحياء شخص آخر، أو كانت مكاسب علمية ذات أثر فعال في مكافحة الأمراض والعاهات، ولا مجال هنا للقياس على تبرع الإنسان العاقل البالغ ببعض أعضائه، لأن التبرع من الجنين لا يتصور، والتبرع من وليه غير مشروع؛ لما هو معلوم أن النيابة الشرعية مقيدة بتحقيق المصلحة.
وهكذا فإن اعتبار الجنين آدمياً من اللحظة الأولى يسد الباب تماماً في وجه أي تصرف في جسده يضره ولا ينفعه.
وأما إذ لم يكن الجنين آدمياً في مرحلة من مراحله، وإنما هو مخلوق آخر أقل رتبة في ميزان الشرع من الإنسان، فإن ذلك يفتح مجالاً للنظر عندما يكون إتلافه سبباً في تحقيق مصالح معتبرة للآدمي ودفع مفاسد حقيقية عنه.
وأغلب الظن عندي أن البحث عن حقيقة الجنين والوقت الذي يكتسب فيه إنسانيته وهويته الآدمية ينبغي أن يكون المنطلق لأي بحث يقصد منه معرفة حكم أي تصرف في جسده، ثم يأتي بعد ذلك اعتبار المصالح والمفاسد المترتبة على ذلك التصرف في ضوء ما يسفر عنه البحث عن تلك الحقيقة.
ومما تقدم يتضح وجه اختيار عنوان البحث "حقيقة الجنين وحكم الانتفاع به "، ويدرك العذر لما سيرى من الإطالة في البحث عن حقيقة الجنين، والوقت الذي يكتسب فيه هويته الآدمية؛ لأن ذلك يعتبر كالأساس بالنسبة للبحث عن أحكام ما يقع على جسد الجنين من التصرفات، ولا يمكن بدونه الاطمئنان لأية نتيجة في هذا الموضوع.