لا نقصد من الكلام عن تطور الجنين هنا بيان ما يحدث له في رحم أمه من تصوير وتخليق ونمو وهدم وبناء وغيرذلك؛ فإن هذا من شأن أهل صنعة الطب وعلماء الأجنة. ولكن الذي يعنينا في هذا البحث هو معرفة المراحل الأساسية التي تتعاقب على الجنين، ويكتسب في كل مرحلة منها خصائص ومؤهلات جديدة يمكن أن تكون مناطاً للأحكام الشرعية التي تحكم تعاملنا مع جسده، فيستعان بها على معرفة الحلال والحرام من أشكال ذلك التعامل.
ولا شك في أن الأصل في معرفة مناطات الأحكام هو الرجوع إلى الشرع نفسه نصوصاً ومبادىء، ولا ينكر في هذا المقام دور المعارف البشرية المحصلة بالحس والمشاهدة والتجربة مما توصل إليه أهل الصنعة في هذا المجال.
والذي يدل عليه هذان المصدران أن الجنين قد أخضعه ربه خلال فترة الحمل لنوعين من التطور:
أحدهما: تطور مادي محسوس يمكن أن يلاحظ بالمشاهدة من أهل الاختصاص. وموضوعه العناصر المادية التي يتكون منها الجنين، وما يتعاقب عليها من نمو وتخليق وتسوية وتعديل وغير ذلك.
والثاني: تطور غير محسوس، ولا يخضع في ذاته لحس ولا مشاهدة ولا تجربة، وموضوعه مخلوق روحاني جمع الله تعالى بينه وبين تلك العناصر المادية من الإنسان في لحظة من اللحظات، وجعله مصدراً للأنشطة الإنسانية المتميزة، والتي ميز بها الإنسان عن سائر الأحياء، كالتصور والتعقل والتخيل والإرادة والتفكير وغير ذلك. وقد سمى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هذا المخلوق بالروح.