للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه:

فلا يجوز لأحد والدي المولود ناقص الخلقة كعديم الدماغ الإذن لأي طبيب بانتزاع عضو منه لزرعه في طفل آخر محتاج إليه، فلا تستبقى نفس بقتل أخرى بلا ذنب.

ولا يجوز لأحد أبوي هذا المولود الإذن لأي طبيب بقطع وانتزاع عضو منه تحسباً لحالة طفل مريض.

ولا يجوز لوليه الإذن لطبيب بإجراء عملية تشريح لهذا المولود لصالح تعلم الطب أو اكتشاف نوع المرض.

كل هذه وما جرى مجراها إذن بالجناية، ومباشرة لها تستوجب العقوبة المقدرة شرعاً وتستوجب الإثم للاعتداء بغير حق.

كما يصاحب هذا محاذير أخلاقية شرعية إنسانية من ابتداء العدوان والإجهاز على آخرين بعلة نقص الخلقة، وهو تعليل ساقط يرفضه الشرع بكل قوة.

شبهة وجوابها:

يرد تساؤل وهو: أن الأطباء قرروا أن موت جذع المخ موت للإنسان، فيكون الحكم بموت "عديم الدماغ " من باب أولى. وأن من الفقهاء من أفتى بأن موت جذع المخ موت للإنسان، فكذلك يكون هنا؟

وجوابها:

أن هذا قياس على حكم مختلف فيه، وركن القياس أن يكون (الأصل) المقيس عليه شرعياً ثابتاً بالكتاب أو السنة أو الإجماع.. والمقيس عليه هنا ليس كذلك بل هو حكم فرعي حادث مختلف فيه اختلافاً كبيرا، ولم يثبت له حكم بنص من كتاب أو سنة أو اجماع. ولذا فلا يصح القياس لاختلال ركنه، وهذا قادح مسلم به لدى الأصوليين يمنع صحة إلحاق فرع به فهو إلحاق بفرع حادث مختلف فيه.

بل الأولى كما هو ظاهر العكس، فيقاس منع جعل موت جذع الدماغ علة للموت على (غياب جذع الدماغ عن المولود) الذي تستقر حياته، فإذا كان غياب جذع أصلاً تستقر معه الحياة ساعات أو أياماً أو أسابيع فهو محكوم بحياته قطعاً، فمن باب أولى من مات منه جذع الدماغ مع استمرار نبضات قلبه يكون الحكم باستمرار حياته استبقاء للأصل حتى تنقطع نبضات القلب، وتنفصل الحياة من بدنه من كل عضو بحسبه لمخالطة الحياة البدن.

وقبل كتابة هذا البحث ببضعة شهور، وفي شهر رجب من هذا العام ٤٠٩اهـ، حكم جمع من الأطباء على شخصية مرموقة بالوفاة لموت جذع الدماغ لديه، وأوشكوا على انتزاع بعض الأعضاء منه، ولكن ورثته مانعوا من ذلك، ثم كتب الله له الحياة، وما زال حياً حتى تاريخه.

فموت جذع الدماغ علامة ظنية على موت الإنسان وليست قطعية، إضافة إلى احتمال خطاً التشخيص، فكيف تمكن الفتيا بما حقيقته ومآله قتل الأحياء فيتأمل.

والله أعلم.

الدكتور بكر عبد الله أبو زيد

<<  <  ج: ص:  >  >>