إن مخافة الله وخشيته وتقواه هي العاصم الأعظم الذي يعصم الإنسان من الزلل في كل ما يأخذ ويدع، فإذا زال هذا العاصم فإن الهوى يضل الإنسان، وتصبح المنافع والمضار هي الميزان الذي يحكم مسار الإنسان، وكثير مما يعده الإنسان منافع ومضار لا تكون كذلك، وقد تتداخل المنافع والمضار وتختلط بحيث لا يستطاع تمييزها، كما لا يستطاع ترتيبها في سلم الأولويات، ويبقى حكم الشرع الذي لا يخضع للهوى والمصلحة الموهومة هو العاصم في خلق جهلهم أكثر من علمهم، وخطؤهم أكثر من صوابهم.
إن عنوان البحث يعطينا منهجية السير في البحث، فالعنوان يقرر أن الأجنة نوعان:
الأول: الأجنة الفائضة عن الحاجة.
والثاني: الأجنة المجهضة.
والعنوان يوجه أيضاً إلى أن البحث في كل واحد من هذين النوعين يمضي في مسارين:
الأول: إجراء التجارب العلمية على الجنين.
والثاني: الاستفادة من أعضاء الجنين بغرسها لطفل أو إنسان آخر.
وأحب أن أبادر إلى القول بأن أكثر نقاط البحث أثيرت في ندوات سابقة، وبحثت وبينت أبعادها، وصدرت بشأنها قرارات وتوصيات.
فالأجنة الفائضة عن الحاجة في علاج العقم بالتلقيح الصناعي، وهو الذي اشتهر باسم طفل الأنابيب، بحث في الندوة السابقة التي أقامتها هذه المنظمة تحت عنوان "الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية"، وجاء في التوصية المتعلقة بهذا الموضوع:"إن الوضع الأمثل في موضوع (مصير البويضات الملقحة) هو أن لا يكون هناك فائض منها، وذلك بأن يستمر العلماء في أبحاثهم قصد الاحتفاظ بالبويضات غير الملقحة مع إيجاد الأسلوب الذي يحفظ لها القدرة على التلقيح السوي فيما بعد، وتوصي إلا يعرض العلماء للتلقيح إلا العدد الذي لا يسبب فائضاً، فإذا روعي ذلك لم يحتج إلى البحث في مصير البويضات الملقحة الزائدة.
أما إذا حصل فائض، فإن الأكثرية ترى أن البيضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية من أي نوع، ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم، وأنه لذلك لا يمتنع إعدامها بأي وسيلة، وبرى البعض أن هذه البيضة الملقحة هي أول أدوار الإنسان الذي أكرمه الله تعالى. وفيما بين إعدامها أو استعمالها في البحث العلمي أو تركها لشأنها للموت الطبيعي يبدو أن الاختيار الأخير أخفها حرمة إذ ليس فيه عدوان إيجابي على الحياة" (١)
(١) انظر ص ٧٥٧ من الجزء الثالث من سلسلة مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وعنوانه: "الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية".