للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الأول

تغيير خلق الله والحكم بحرمته

قال الله جل جلاله؟ {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [الآية ١١٩ من سورة النساء] . قال الطبري عند تفسيره لقول الله عز وجل: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، قال بعضهم: ولآمرنهم فليغيرن خلق الله بالإخصاء.

قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، قال هو: الإخصاء (١)

لقد ورد في هذا الأثر الإخصاء بصفة عامة.

إذن فعملية استئصال الغدد التناسلية لا يمكن أن تخرج عن نوع من الإخصاء، وتغيير خلق الله.

قال الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية ما ملخصه أنها إخبار عن محاولة الشيطان لصد جماعة من عباد الله عن اتباع أحكام الله، واتباع الهوى والأماني فيحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم اتباعاً للشيطان، فيشرعون غير الذي شرع الله باتباعهم الشيطان ومخالفتهم الله جل جلاله.

ثم أوضح حالات تغيير الخلق في البهائم، ومنها: البتك، وهو القطع ومثل له بالبحيرة (التي تقطع أذنها) ، وإذا حرم الشارع هذا في البهائم ففي الإنسان من باب أحرى.

ولا بد من الإشارة إلى أن البتك في الآية ورد على صيغة العموم، وأن التفسير هو الذي مثل بالبحيرة.

كما أورد قضية ابن مسعود مع المرأة التي أتته متسائلة عن اللعنة التي دعا بها على المغيرات لخلق الله بتقشير الوجه، فقال لها: كيف لا ألعن من لعن الله؟ فقالت: إني مررت على ما بين اللوحين فلم أجد ما قلت، قال لها: إن كنت قرأت ما بين اللوحين فقد مررت على ما قلت في قول الله عز وجل: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لعن الله الواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والواشرة والمستوشرة)) ، وفي رواية بالجمع المغيرات لخلق الله كما سيأتي قريباً بحول الله. وبعد تحليل طويل لجميع التأويلات المفسرة لخلق الله قال بالحرف:

وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك: قول من قال: معناه ولأمرنهم فليغيرن خلق الله، قال: دين الله، وذلك لدلالة الآية الأخرى. على أن ذلك معناه، وهي قوله: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} . وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه، من خصاء ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهي عن وشمه ووشره، وغير ذلك من المعاصي، ودخل فيه ترك كل ما أمر الله بتركه لأن الشيطان لا شك أنه يدعو إلى جميع معاصي الله، وينهى عن جميع طاعته، فذلك معنى أمره نصيبه المفروض من عباد الله، بتغيير ما خلق الله من دينه (٢)


(١) في معاجم اللغة الخصا الثلاثية، وفي كتب المحدثين والرواة الإخصاء ثلاثياً ورباعياً (من تفسير الطبري: ٥/٢٨٢) .
(٢) الطبري: ٥/٢٨٦، في تفسيره للآية المذكورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>