إلا أن التبريرات التي يمكن أن تعطى لذلك لا بد أن "تلف في نظرنا من حالة إلى أخرى، ومن عضو إلى عضو.. فالمتبرع بكليته مثلاً، أو يده، أو عينه، أو أذنه، أو أحد الأعضاء المزدوجة في الجسم البشري؟ إنما يعتبر قدم به عملاً إنسانياً وحسنة خالدة، وجهداً مشكوراً، لأنه أعطى ما ينفع غيره، وينقذه، ولا يعرض حياته للخطر، أو صحته لعاهة مستديمة؟ إذ يستطيع الحياة والعمل بالطرف الذي بقي عنده، ويصبح المتلقي متمتعاً بجزء مهم من حياته، وإمكانية الاستفادة الدائمة من العضو المزروع، وهذا خير وعمل صالح وإنقاذ نفس.
لقد كان المجمع الفقهي حذراً في فتواه الصادرة في عام ١٤٠٨ هـ عندما أجاز زرع الأعضاء لذات الشخص التي انفصلت عنه، وأجاز نفس الزرع إن تبرع شخص بعضو منه، إذا كان هذا الشخص كامل الأهلية، ولا يضره العضو المبتور ليزرع في الشخص المتلقي، إلى بقية الشروط المتعلقة بزرع الأعضاء من ميت إذا كان قد تبرع بها في حياته، أو أذن أهله، أو ولي الأمر بالنسبة لمجهولي الهوية.
وقولي بأن المجمع كان حذراً، قصدت به نص القرار على عدم مضرة صاحب العضو المزال إذ اشترط عدم المضرة.
إن الله تبارك وتعالى شجع على إنقاذ الإنسان من أي خطر يهدد حياته وأمنه، فقال الله عز وجل:{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} .
وإن إدخال البهجة والسرور على العقيم من الجنسين بصفة مشروعة خدمة لا يمكن أن تقدر بثمن، أجر لا يعدله أجر.
إلا أن أي عمل يفضي إلى ذلك يجب أن ينسجم مع الأوامر الصريحة للكتاب والسنة، وعدم تناقضه مع غاية المشرع الإسلامي في بعض الحالات، التي تعرضت إليها النصوص بصفة مجملة لغاية استخدام العقل البشري مدعما بزاد العلم والفهم، ليستخلص منها أحكام الشارع، حسب كل زمان ومكان، لتبقى شريعة الله هي النظام ولتدوم نظم الإسلام تلبي حاجات الإنسان مهما بلغ من التطور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلم يفرط الله في كتابه من شيء:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .