للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التكييف الشرعي للأسواق المالية:

إن فكرة الأسواق المالية – من حيث المبدأ – تدخل تحت قاعدة المصالح المرسلة، والتنظيمات التي تعتبر من صلاحيات أولي أمر المسلمين، وهي بلا شك تساعد على تطوير الأعمال التجارية والاقتصادية التي هي شريان الحياة لكل المجتمعات المتقدمة، ولذلك عبر الله عن المال بأنه قيام للمجتمع لا ينهض ولا يقوم إلَّا به: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: ٥] .

وقد اشتهرت أمور المال والإشراف عليه منذ الصدر الأول بالحسبة، جاء في السيرة الحلبية: " أن هذه الولاية تعرف بالحسبة، وموليها بالمحتسب " (١) . وفي التيسير لابن سعيد: " اعلم أن الحسبة من أعظم الخطط الدينية، فلعموم مصلحتها، وعظيم منفعتها تولى أمرها الخلفاء الراشدون، ولم يكلوا أمرها إلى غيرهم مع ما كانوا فيه من شغل الجهاد، وتجهيز الجيوش ... " (٢) .

وقد اعتبر حاجي خليفة هذه الولاية علمًا خاصًّا فقال: " علم الاحتساب علم باحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد من معاملاتهم اللاتي لا يتم التمدن بدونها من حيث إجراؤها على القانون المعدل حيث يتم التراضي بين المتعاملين، وعن سياسة العباد بنهي المنكر، وأمر بالمعروف بحيث لا يؤدي إلى مشاجرات وتفاخر بين العباد، بحيث ما رآه الخليفة من الزجر والمنع ثم قال: " ومبادؤه بعضها فقهي، وبعضها أمورٌ استحسانية ناشئة من رأي الخليفة، والغرض منه تحصيل الملكة في تلك الأمور، وفائدته إجراء أمور المدن في المجاري على الوجه الأتم، وهذا أدق العلوم، ولا يدركه إلَّا من له فهم ثاقب وحدس صائب، إذ الأشخاص، والأزمان، والأحوال ليست على وتيرة واحدة، بل لابد لكل واحد من الأزمان والأحوال سياسة خاصة، وذلك من أصعب الأمور، فلذلك لا يليق بمنصبها إلَّا من له قوة قدسية مجردة عن الهوى كعمر بن الخطاب ... " (٣) .


(١) السيرة الحلبية ٣/٣٥٤
(٢) التراتيب الإدارية: ٢/٢٨٦
(٣) كشف الظنون

<<  <  ج: ص:  >  >>