ولنعد لمناقشة الاستفسارات التي نحن بصدد دراستها، وهى تتكون من ثماني نقاط سوف نتحدث عنها فيما يلي:
١- تقول الفقرة الأولى: المعلوم فقها أن الأجر (المشروط) على الضمان لا يجوز ثم يستدرك الكاتب قائلا: غير أن بعض الفقهاء والحنفية والحنابلة والزيدية) أجازوا الربح بالضمان، إذ أجازوا شركة الوجوه) واستطرد قائلا: ويتخرج على مذهبهم أن وجيها لو اشترك مع آخر (خامل) على الضمان والربح مناصفة، ولم يشترو لم يبع، جاز لمجرد الضمان. وعلل لذلك بقوله: وهذا مثل المال لا يجوز إقراضه بأجر، لكن لا يجوز قراضه بربح. ونقول: أن شركة الوجوه: ويقال لها شركة المفاليس، لأنها شركة عقد بين اثنين أو أكثر- على أن يشتريا في ذمتها - بجاههما - شيئا يشتركان في ربحه، من غير أن يكون لهما رأس مال، على أن ما اشترياه فهو بينهم نصفين، أو ثلاثا، أو نحو ذلك، مميت بشركة الوجوه لأنهما يعاملان فيها بوجهيهما، والجاه والوجه واحد، يقال فلان وجيه، إذا كان ذا جاه. وهى جائزة عند الأحناف والحنابلة والزيدية كما ذكر الأخ الفاضل كاتب الاقتراح، وقول الكاتب:(في المذاهب الثلاثة المذكورة بإجازتها لشركة الوجوه إنما أجازت أرباح هذه الشركة بالضمان، ويتخرج على مذهبهم أن وجها لو اشترك مع آخر (خامل) على الضمان والربح مناصفة ولم يشتر ولم يبع جاز لمجرد الضمان. هذا القول يحتاج إلى مراجعة، ذلك أن الأحناف والحنابلة الذين أجازوا شركة الوجوه قالوا: أن هذه الشركة منعقدة على عمل، ووكالة، وكفالة، فالعمل: أنهما يشتركان في الشراء بجاههما-كما أنهما يشتركان في بيع ما اشترياه بجاههما، وكل منهما وكيل الآخر في البيع والشراء وكفيله بالثمن. فاستحقاق الربح المشترك بينهما بالعمل لا بالجاه، سواء أكان الاشتراك بالتساوي بينهما في كل شئ -الاشتراك في قدر الملك، والعمل، والربح، على قاعدة شركة المفاوضة. أو كان بالاختلاف والتفاوت في تلك الأشياء، على قاعدة شركة العنان، التي لا يشترط فيها التساوى في كل شئ، والتي يمكن أن يقوم بالعمل فيها بعد العقد أحد الشريكين منفردا أو مع شريكه الآخر. وشركة الوجوه تكون مفاوضة، وتكون عنانا وإذا ثبت أن الربح في شركة الوجوه مستحق للشريكين بالعمل الذي يبدأ بالشراء بوجهيهما لتحقق الشركة، ثم لا يهم أن ينتهي في مرحلة البيع بأن يقوم به أحد الشريكين أو بهما معا على أساس شركة العنان، إذا ثبت ذلك لم يعد هنالك مجال للتخريج بأن وجيها لو اشترك مع خامل إلى آخر ما ذكر في الاقتراح، لم يعد لهذا القول مكان. كما أنه لا وجه للشبه بين هذه الشركة (وبين المال الذي لا يجوز إقراضه بأجر، ولكن يجوز قراضه بربح) الذي ضرب به المثل صاحب الاقتراح، وهو قد بنى ذلك على صحة الافتراض، بأن جواز الربح، بالضمان مبنى على جواز شركة الوجوه وقد بينا فما سبق عدم صحة هذا الافتراض. نعم أن الحنفية يقولون: أن الربح فيها -أي شركة الوجوه - مستحق بالضمان، والمضمون هنا هو رأس المال المتمثل في البضاعة التي يأخذها الوجيهان بثمن اجل، وهما يستحقان الربح الناشئ عن تسويق هذه البضاعة والانفراد به دون صاحب البضاعة، بأن ثمنها له. وليس الضمان هنا من أحد شريكي الوجوه تجاه شريكه الآخر إذ لا ضمان بينهما. وبناء على ما تقدم فقد تبين عدم صحة المقدمة التي تضمنتها الفقرة الأولى من هذا الاقتراح. وبالتالي عدم صحة النتيجة المترتبة عليها - وهى جواز صحة أخذ الأجر في مجرد الضمان.
٢ - وهذا ما أقرته الفقرة الثانية من الاقتراح صراحة حيث قالت:(وهذا الأجر المحرم على الضمان لا ريب فيه، إذا كان الضمان لا يكلف الضامن أية متاعب أو مشقة أو مالا أو جهدا، إنما هو فقط ضمان محض لا يقترن بأية خدمة أخرى إلخ) .
٣- ولا يغير من هذه النتيجة أو هذا الحكم، قول صاحب الاقتراح في الفقرة الثالثة: (لكن المشاهد أن الضمان لو بقي يقدم طوعا وتبرعا بدون أجر ولا التزام لتعسر على كثير من الناس في أيامنا هذه الحصول عليه. والسؤال: متى كان الوصول إلى المنفعة مبررا للحصول عليها بكل الطرق الجائز منها، والممنوع؟