للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى الهداية قال: قيل هي ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة، وقيل في الدين، والأول أصح. (١) .

وجاء ابن الهمام في فتح القدير فشرح ما سبق، وبين الخلاف بعد أن أشار إلى مفهوم الكفالة لغة، فقال: وأما في الشرع فما أشار إليه من قوله (ثم قيل هي ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة، وقيل في الدين. قال: والأول أصح فلا يثبت الدين في ذمة الكفيل خلافا للشافعي ومالك وأحمد في رواية. فيثبت الدين في ذمة الكفيل، ولا يسقط عن الأصيل. ولم يرجح في المبسوط أحد القولين على الآخر. وما يخال من لزوم صيرورة الألف للدين الواحد ألفين كما ذكره بعض الشارحين قال في المبسوط: وليس من ضرورة ثبوت المال في ذمة الكفيل، مع بقائه في ذمة الأصيل ما يوجب زيادة حق الطالب، لأن الدين وإن ثبت في ذمة الكفيل فالاستيفاء لا يكون إلا من أحدهما، كالغاصب مع غاصب الغاصب، فإن كلا ضامن للقيمة، وليس حق المالك إلا في قيمة واحدة، لأنه لا يستوفى إلا من أحدهما، واختياره تضمين أحدهما يوجب براءة الآخر، فكذا هنا، يريد باختياره التضمين القبض منه لا مجرد حقيقة اختياره، لأنه يتحقق بمرافعة أحدهما، وبمجرد ذلك لا يبرأ الآخر. ومما يدل على ثبوت الدين في ذمة الكفيل أنه لو وهب الدين للكفيل صح، ويرجع به الكفيل على الأصيل، مع أن هبة الدين من غير من عليه الدين لا تجوز. وكذا لو اشترى من الكفيل بالدين شيئا يصح، مع أن الشراء بالدين من غير من عليه الدين لا يصح. والحاصل أن ثبوت الدين في الذمة اعتبار من الاعتبارات الشرعية، فجاز أن يعتبر الشيء الواحد في ذمتين، إنما يمتنع في عين ثبت في زمن واحد في ظرفين حقيقيين. ولكن المختار ما ذكرنا أنه في مجرد الطلب لا الدين، لأن اعتباره في الذمتين -وإن أمكن شرعا - لا يجب الحكم بوقوع كل ممكن إلا بموجب، ولا موجب، لأن التوثق يحمل بالمطالبة، وهو لا يستلزم ولابد من ثبوت اعتبار الدين في الذمة، كالوكيل بالشراء يطالب بالثمن وهو في ذمة الموكل. وأما الجواب عن تسليم الهبة والدين فإنا جعلناه في حكم الدينين تصحيحا لتصرف صاحب الحق، وذلك عند وقوعه بالفعل، وقبله لا ضرورة، فلا داعي إلى ذلك. (٢) .


(١) الهداية مع شرح فتح القدير ٦/٢٨٣
(٢) انظر شرح فتح القدير ٦/٢٨٣-٢٨٤

<<  <  ج: ص:  >  >>